(كش بريس/ التحرير) ـ في سابقة وطنية قضائية فريدة، قضت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط بإدانة الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي “CNOPS”، في قضية تتعلق برفض إدارة الصندوق تعويض مريض بالتشمع الكبدي عن دواء اقتناه من الخارج.
وحكمت الاستئنافية الإدارية بالرباط، بتعويض المدعي بمبلغ 504 آلاف و87 درهما، أي أزيد من 50 مليون سنتيم، عن مصاريف العلاج موضوع الفواتير المدلى بأعدادها للمحكمة، مستندة في تعليلها للحكم الصادر عنها إلى مقتضيات المادة 42 من القانون 65.00، بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية، التي تمنع على الهيئات المكلفة بتدبير التأمين الإجباري الأساسي على المرض ممارسة انتقاء المخاطر والأشخاص وإقصاء المؤمنين لأي سبب، بعدما أدلى المدعي (المريض) بما يفيد أن جميع الأدوية المتوفرة لمعالجة تشمع الكبد في المغرب لم تنفع في علاج حالته، ما اضطره إلى اللجوء إلى استيراد دواء “Exviera et Viekirax” من الخارج، تحديدا بريطانيا.
واستدلت الهيئة القضائية أيضا على خلو الإطار التشريعي المذكور، والمرسوم 2.05.733 المطبق له، من موانع صريحة لاسترجاع مصاريف العلاج في حالة هذا المريض، مستدلة بالمادة 1 من مدونة التغطية الصحية الأساسية، التي أكدت أن تمويل الخدمات المتعلقة بالعلاجات الصحية يقوم على مبادئ التضامن والإنصاف، قصد ضمان استفادة جميع سكان المملكة من الخدمات العلاجية، بما يدحض الدفوع التي تقدمت بها إدارة الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي.
وكان المواطن صاحب القضية، قد أبلغ إدارة “كنوبس” بإصابته بمرض تشمع الكبد، حيث شرع في متابعة حالته الصحية لمدة عامين (2013 و2015)، بالمركز الجامعي ابن سينا في الرباط، استفاد خلالها من جميع الأدوية المتاحة لهذا المرض بالمغرب دون جدوى، قبل أن ينصحه طبيبه الخاص باقتناء دواء جديد، يتم استيراده من قبل شركة مختصة بأوروبا، إلا أن الصندوق رفض التعويض عنه، بعلة أنه غير مدرج في لائحة الأدوية العمومية.
والتمس المريض تحكيم الوكالة الوطنية للتأمين الصحي، إلا أن موقف إدارة “كنوبس” ظل ثابتا، قبل أن يقرر المطالبة بتعويض عن مصاريف الأدوية، معززا طلبه بفواتير مرقمة، مع غرامة تهديدية بنسبة 1 في المائة، فيما دفعت الجهة المدعى عليها بعدم الصفة وسقوط الدعوى للتقادم، مع التمسك بأن الدواء المستورد غير مدرج في لائحة الأدوية المقبول إرجاع ثمنها، وفقا لقرار صادر عن وزير الصحة.
وفيما يتعلق بالتقادم، فقد أعادت المحكمة قراءة المادة 129 من مدونة التغطية الصحية الأساسية، التي نصت على أنه “يجب، تحت طائلة سقوط الحق، أن يقدم الطعن في قرار رفض طلب إرجاع المصاريف عن خدمات التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، أو طلب استرداد الاشتراكات المقبوضة دون سند قانوني إلى الهيئة المكلفة بالتدبير المعنية، داخل أجل سنة يبتدئ من تاريخ تبليغ القرار المطعون فيه إلى الطاعن”، حيث اعتبرت أجل السنة الوارد في المادة يخاطب الطعون المقدمة إلى “الهيئة المكلفة بالتدبير المعنية”، ولا يتعلق بحق اللجوء إلى القضاء.
وأشار الحكم القاضي بتعويض المنخرط، إلى أن الحق في اللجوء إلى القضاء في هذه الحالة، يظل مكفولا ومضمونا بموجب الدستور والمواثيق الدولية، ولا يمكن التضييق عليه أو الحد منه إلا بمقتضى نص صريح يتيح ذلك.