في ندوة عقدت في كلية الحقوق -السويسي يوم 16 يونيو 2023 حول موضوع “كليات الحقوق في المغرب، أفقاً للتفكير”، تحدث عبد الحي المودن أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط عما أسماه “تشظي” المنظومة الجامعية، من حيث مضامين التدريس، إلى شُعَب، وتخصصات، والمحاضرات إلى تطبيقات، والوحدات إلى مجزوءات لا رابط بينها، لا جسر، لا تفاعل، لا أخذ ولا عطاء. التشظي المعرفي يعني التمزق، والتوزع، والانشطار. والشظايا فروع متناثرة من جذع معرفي هو، في الأصل، وحدة لا انفصام فيها، لا يستوي المعنى عند “تشظيها”، ولا يكتمل الإدراك بعد تفكيكها. الجامعة كليات، ومعاهد، ومراكز بحث، ومختبرات علمية مندمجة، متكاملة، ومترادفة فيما بينها. الجامعة تجميع للمتفرق من العلوم، وتركيب للمكونات البسيطة التي تشكل في مجموعها ما يسميه Pierre Bourdieu “الحقل” المعرفي. حقل القانون، بشقيه الخاص والعام، كانت أساسياته تُدَرَّسُ في الماضي لطلبة شعبة الاقتصاد، والعكس صحيح. التشظي يطال اليوم المواد الرئيسية من تدريس القانون والاقتصاد التي لم تعد مشتقاتها تنبني عليها أو تندرج تحتها. الاقتصاد السياسي الذي هو جزء لا يتجزأ أمسى يُلقَّنُ ضمن مجزوءات دقيقة، منفصلة، مفتقدة للخيط الناظم لها. الاقتصاد الجزئي (Microéconomie)، وهو فصل، أصبح هو الأصل، مفاهيمه، وأدواته، ومقارباته يأخذها الطالب دون إدراك لا للجذور النظرية والمنهجية المؤطرة لها، ولا للسياقات التاريخية المؤسسة لها، ولا للمشتركات الإبستيمية التي تتقاسمها مع الاقتصاد الكلي (Macroéconomie). كما أن الطالب، في شروط التشظي الذي تعرفه المنظومة البحثية، بات يستخدم أدوات الاقتصاد القياسي (Économétrie) من غير وعي بحدودها، وبلا أدنى اعتبار للفرضيات النظرية التي تحكمها.
هذا المنحى الذي ذهبت فيه الجامعة لا شك أنه يستجيب ل “حاجة السوق” إلى كفايات مهنية، وتقنية متخصصة، وإلى تكوينات سريعة، ومتلائمة مع متطلبات التدبير، والتسويق، والترويج، وما إلى ذلك. لكن “قوة السوق” ليس لها، بحال من الأحوال، أنْ تجْرِف، كما يجرف السيل الوادي، وظيفةَ الجامعة الجوهرية، وغايتَها البعيدة التي كانت وتظل هي التكوين بلا شرط، التكوين من أجل التكوين، وتحصيل المعارف، وامتلاك القدرات، وتطوير الملكات، وصقل المواهب، وعقلنة السلوك، والارتقاء بالوعي النقدي.