لعل من يجرؤ على القيام بنوع من التنقيب في تاريخ أرشيف الفلاسفة، سيجد على أنهم ينقسمون عموما إلى قسمين أو فئتين . وإذا كانت الفئة الأولى هي فئة المناصرين لهتلر مثل مارتن هيدجر و ميشال سيورن وكارل سميت وإرنست يونغ فالثانية تتشكل من حلفاء فرنسيين للمارشال بيتان باعتباره الجندي الذي انتصر في حرب 14-18 والمشارك بحماسة في سياسة الإبادة التي شنها كما هو معلوم الحزب النازي القومي الاشتراكي. وهي الفئة التي كانت تضم كلا من ايمانويل مونيي، جان غيتون، موريس كلافيل، بول ريكور و موريس بلانشو .
لكن الاشكال المثير للغرابة هنا لا يتوقف بحسبي عند حد مناصرة هؤلاء الفلاسفة بفئتيهما معا للديكتاتورية اليمينية فحسب بل يكاد يتجاوزها بكثير بحيث إننا بالموازاة لذلك، نلاحظ باندهاش عز نظيره كيف يمضي معظم المثقفين حد تنديدهم بكل من كان في جهة هتلر أو بيتان باعتبار مناصرته أمرا مشينا لا يمكنهم السكوت عنه خلافا و هنا معقل الفرس لكل مسعى مغاير يروم انتقاد أو توجيه اللوم لمن كان من الفلاسفة مناصرا للينين أو ستالين أو ماو سيتونغ أو بول بوت . وبذلك يتبدى جليا أن الانتصار لهتلر او بيتان أشبه مايكون بخطأ قاتل بالمقارنة مع الانتصار للماوية واشتراكية كاسترو و لينين أو ستالين الذي ليس أكثر من خطأ عرضي يستوجب الغفران .
لعل حجة هؤلاء ترجع أول ما ترجع إلى اعتقادهم بثنائية للشر وفقها يمكننا تبرير سلوكات بعينها دون أخرى والانتصار بالتالي الى جهة بدل أخرى .يتعلق الأمر بتلك الثنائية التي مافتئت تؤكد على أن ثمة شرا مطلقا و آخر نسبيا. أما المعيار في التمييز بينهما فيعود إلى فصلهم فصلا تاما بين الغاية والوسيلة بدعوى أن الأولى تبرر الثانية لا العكس . ذلك أن الغاية التي بموجبها تتحرك الدولة العرقية الارية بنظرهم سيئة و مذمومة خلافا للأهذاف الطيبة و النوايا الحسنة التي ينهض عليها المجتمع البروليتاريا الشيوعي. فأن نقتل نفسا اذن باسم كفاحي (كتاب هتلر) أو باسم نص مقدس أمر يكاد يختلف تماما عن قتلنا للناس باسم الرأس المال (كتاب ماركس). و بذلك أيضا تضحى كل رصاصة تصيب رأس شخص ما، مذمومة عندما يقدم على هذا الفعل أحد النازيين و محمودة عندما يشعل شرارتها مناضل ماركسي لينيني . بهذا النحو نرى كيف يتم تبرير القتل و الاجرام دون أخذ بعين الاعتبار لحياة الضحية بالاساس الذي لا تهمه ايديولوجيا القاتل في شيء أكثر ما يهمه مصيره المفجع .
الى هذا الحد تبقى للاسف قائمة الفلاسفة المناصرين للديكتاتوريين الماركسيين اللينينيين عبر التاريخ طويلة وغير قابلة للحصر ،سنكتفي والحالة هاته بالتذكير منها ببعض الأسماء الملغزة بدءا من سارتر و سيمون دو بوفوار وميرلوبونتي وكوجيف وصولا الى الان باديو حليف بول بوت وماو سيتونغ ناهيك عن سلافو جيجيك المناصر لستالين حتى النخاع مرورا بطبيعة الحال بماويي الأمس القريب مثل أندري كلوكسمان وبيرنار هنري ليفي و كريستيان جانبي وجاك رانسيير و بيني ليفي.
ـ اللوحة الرمزية من الأرشيف ـ