‏آخر المستجداتبقية العالم

وارسو مدينة تاريخ له ألف قصة وقصة عن وشم تم نزعه وترك الندوب

ـ من عبد الواحد الطالبي – وارسو عاصمة بولونيا (كش بريس ) ـ

وارسو مدينة تنبسط على ضفاف نهر فيستوا أطول نهر في بولندا يشقه عاصمتها نصفين يتصلان بجسور وقناطر ربضت تحتها مراكب قديمة خرجت من خدمة الإبحار وصارت مطاعم ومقاهي وحانات تقدم الخدمات السياحية في أوقات معلومة من النهارات الباردة والمساءات الحالمة.

وليست وارسو كباقي عواصم العالم تضج بالحركة والرواج، هي هادئة ناعمة مستلقية على تاريخها الساخن الذي أرهقها بالأحداث والوقائع المؤثرة في العالم على مدى عمرها الحديث، وما تزال في زحمة مشاهده تبحث عن هوية مفقودة بين الشرق والغرب لكيان كان بالأمس ضحية صراع إيديولوجي كوني، واليوم تتحسب لصراع المصالح الاستراتيجية على حدودها مع روسيا وأوكرانيا.

وتعلم سكان المدينة وعلموا من أتى بعدهم، من كل ما مر بهم، أن يكونوا مسالمين ولكن غير متسامحين في كل شأن يهم وطنيتهم ومواطنتهم، وهذا جعل وارسو آمنة مأمونة المقام دقيقة جدا في كل تفاصيل نظامها الذي لا يقبل الخرق أو الخروج عن قواعده.

لا حديث بين الناس سوى بلغة بلدهم ولا منشور إلا بهذه اللغة، الإعلانات والقوائم والتواصل…كل ذلك باللسان البولندي، وللقانون احترام كبير في المرور وفي الطوابير متى دعت الضرورة إليها، ولا أحد مشغول بالآخر إلا قليل أولئك الذين يقصدون الغير لطلب مساعدة لأنفسهم أو لآخرين في دعة وبسلاسة.

وارسو ليست كباريس ومدن أخرى أوربية، اختلطت فيها الألوان وتمازجت، والأجناس تعددت. هي من غير الدبلوماسيين وبعض مقيمين من الأتراك وقليل جدا من الطلبة وسياح هنود، مدينة شقراء بشرتها كحق العاج وجهها يسر الناظرين جنسها جرماني بامتياز نقية طاهرة ما تزال بكرا.

وتحرص هذه المدينة على صفاء الدم الجرماني الذي يبدو ان الشعب البولوني يرفض ان يختلط وتشوبه الشائبة ولذلك تتشدد السلطات في منح التأشيرات والسماح بالهجرة كما تفرض القيود المجحفة في حق من يطلب على وجه الاستحقاق أوراق الإقامة، وكذلك يصعب الاندماج في أوساط المدينة ووسط الفارسوفيين.

ولوارسو جاذبية سياحية ذات استقطاب نخبوي للذين يبحثون عن الهدوء والطمأنينة والسكينة والاستمتاع بذلك في نقاء وصفاء بين أحضان الطبيعة ومعالم الآثار والمعمار الأوروبي المتنوع المجسد لتاريخ بولونيا الحديث.

كل شيء يغري في هذه المدينة بالبحث والتقصي في الأسرار الغامضة التي تتكتم عليها وارسو ولا تبيحها لعامة الناس سوى بالمجاهدة والمكابدة وبالثقافة والعلم لمن لا يشبع فضوله حديث عابر أو حكي سياحي وللذي يتقن اللغة المحلية ولغات أخرى.

وإن ما لم أسْطِعْ له جوابا ولا تفسيرا في كل ما عَنَّ لي في أيام معدودات، ذاك التمزق في التاريخ الحديث لوارسو وبولندا عموما، لفترة ما قبل سقوط جدار برلين وانهيار المعسكر الاشتراكي ومرحلة الانضمام للاتحاد الاوروبي وفضاء شينغن وما تلاها حين يصادفني ستالين أو لينين أو أتفاجأ بهتلر وقد أمعن نهر ڤيستوا في محو آثارهما من على أديم وارسو التي انتصب فيها شارل دوغول تمثالا ورمزا للنصر الذي تزفه سمفونيات شوبان في موكب من غمام ومطر.

إن وارسو تحررت وبولندا جميعا تخلصت من وزر الكرملين وفروض الإيديولوجيا البائدة وملاحقات البوليس السري وقيود الشيوعية ولكن ذلك كان وشما على وجهها حين تم نزعه جرحا بقي أثره ندبا وفي النفوس يسكن خوفا وفي الحركات والنظرات حيطة وحذرا.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


Back to top button