ـ في معنى “تقدير الموقف” وانتقال المعركة من عنوان “إسناد غزة” إلى “صد العدوان عن لبنان” ـ
لا يمكن الاتفاق على صورة واحدة للنصر من قبل الجميع. ما تراه أنت نصرا قد يراه الآخر هزيمة، والعكس صحيح. وهذا ناتج عن عدم تحديد مفهوم النصر ومفهوم الهزيمة. يصل الاختلاف إلى حد التضاد في تحديد العدو والحيف أو الصديق. من يكون العدو ومن يكون الحليف؟ في لبنان فئات وأحزاب ترى في ح.الله عدوا وفي “إسرائيل” حليفا. فمن يقف في هذا المستوى هو لا يرى نصرا نهائيا للمقا/ومة حتى لو كان ظاهرا بينا كوضوح الشمس في رائعة النهار. فهذا لا يمكن أن يرسم صورة نصر لعدوه. ومنهم من تمنى أن تقوم قوات العدو بسحق الحزب وإنهاء وجوده، بل إن سامي الجميل، رئيس حزب الكتائب، قال “لا يمكن أن تتفق إسرائيل وح.الله وتتركه لنا”.
في تحديد معنى النصر والهزيمة يمكن أن يتم وضع حد لكل مزاعم يتخرس بها كثيرون.
ونرى أنه من أجل تحقيق هذا الهدف لا بد من تدقيق في معنى “تقدير الموقف” وفي معنى انتقال المعركة من “إسناد غزة” إلى “صد العدوان على لبنان”.
الأمران في الحقيقة في تداخل كبير، واحد يحيل على الآخر، لكن يبقى “تقدير الموقف” من أهم المفاهيم التي لا يمكن الاستغناء عنها في تحليل التحولات سواء كانت عسكرية أو سياسية. ومن يقوم بتقدير الموقف هو الذي يكون على احتكاك بالميدان سواء قتالا أو تدبيرا.
من يدير المعركة هو الهيئة العسكرية للحزب، وهي ليست هيئة تتلقى الأوامر كما يعتقد كثيرون، لكن لا تمثيل كبير في الهيئات التي تتخذ القرار، ولا يتصور أحد أن هناك من يملي قرارات والآخرون ينفذونها. ولهذا كان الحزب واضحا عندما أعلن عن انتخاب الشيخ الجليل نعيم قاسم أمينا عاما خلفا للسيد الشهيد. وأذكر أن اتصلت بكثير من الأصدقاء قصد تصحيح الصيغة التي أعلنوا بها عن ذلك. هو “انتخاب” من هيئات لها صلاحية ذلك.
فتقدير الموقف هو خلاصة الميدان، وهو خلاصة التنسيق الدائم مع باقي أطراف محور المقاو/مة، وخصوصا الموجودين في ميدان المواجهة المباشرة، وحتى اللحظات الأخيرة ظل التنسيق جار والتشاور قائم، ونضحت معلومات تؤكد أن حركة حما/س وحركة الجها/د، على الأقل من ضمن الهيئات الفلسطينية، التي توصلت بصيغة الاتفاق في مرحلة مناقشته. وبالتالي فإن مواقفها بعده نابعة من النقاش الذي دار من قبل.
قالت حركة حما/س “قبول العدو بالاتفاق مع لبنان دون تحقيق شروطه التي وضعها، هو محطة مهمّة في تحطيم أوهام نتنياهو” وأشادت “بالدور المحوري الذي تلعبه المقا/ومة الإسلامية في لبنان، إسناداً لقطاع غزَّة والمقا/ومة الفلسطينية، والتضحيات الجِسام التي بذلها ح.الله وقيادته، وفي مقدّمتهم الأمين العام الشهيد السيّد حسن نصـــــــــر الله”، وثمنت “صمود الشعب اللبناني الشقيق، وتضامنه الدائم مع الشعب الفلسطيني، في مواجهة الاحتلال الصهيوني وعدوانه الغاشم”.
وقال زياد النخالة في رسالة إلى نعيم قاسم “لقد قاتلتم وصمدتم وناصرتم إخوانكم في فلسطين وقدمتم الدماء الغالية والطاهرة في حين لم يستطع غيركم تقديم شربة ماء للعطشى والجوعى من شعب فلسطين”.
وهنأت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين لبنان ومقاو/مته بالصمود البطولي والانتصار على الفاشية الإسرائيلية وإفشال أهدافها الاستعمارية.
وحيت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين صمود شعب لبنان وبطولات مقاومته دفاعاً عن لبنان ودعماً لفلسطين.
طبعا وحركات أخرى معنية بالمقاومة في الداخل الفلسطيني كلها اعتبرت الاتفاق نصرا، بما يعني أن تقدير الموقف تتداخل فيه عوامل كثيرة يعرفها من هو في الميدان.
أما فيما يتعلق بتغيير عنوان المعركة فهو مرتبط بتقدير الموقف ومحدد له. لقد انطلقت معركة طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر 2023 ويوم الثامن انطلقت معركة إسناد غزة من قبل الحزب، وامتدت وفق قواعد اشتباك لمدة عام تقريبا، إلى حدود 27 شتنبر حيث بدأ العدو في التصعيد وجاء تفجير أجهزة البيجر وأجهزة الاتصال واغتيال القادة وصولا إلى اغتيال السيد.
هنا انتقلت المعركة من الإسناد إلى العدوان عبر تفوق ناري عبر الطائرات، إذن تغير العنوان. وحافظت المقا/ومة اللبنانية على نصرة غزة والدفاع عن لبنان، وفي كل البيانات ظل الحزب يصدرها بالقول “انتصارا لغزة ودفاعا عن لبنان”.
تغير العنوان وأصبح هناك عدوان على لبنان. وأي عاقل يقول إنه لا يمكن أن ترفض وقف العدوان. ماذا سيقع لو رفض الحزب وقف العدوان؟ ألا يتوقع القائل أن تقع حربا أهلية بدعوى أن الحزب لا يخدم لبنان ويخدم أجندة أخرى؟
لكن هذا لا يعني أن موضوع الإسناد ضاع من خلال تغيير العنوان. بالعكس لقد تحقق الكثير في هذه المعركة:
أول مرة في تاريخ الصراع مع العدو يتم ضرب كل مدن “الكيان المؤقت” بما فيها العاصمة، بل تم الكشف عن عملية نوعية أصابت قائد سلاح الجو فرضت عليها الرقابة العسكرية تكتما.
إنهاك جيش العدوان في معركة الشمال بشكل كبير.
إظهار جيش العدوان منهارا في معركة حشد لها 65 ألف جندي وخمسة فرق ولواء جولاني، اقوى الألوية، وتم دحرها في جنوب لبنان.
فصورة النصر يمكن تلخيصها في أمر واحد مع العلم أنها متعددة. اتخذ نتنياهو قرارا بتدمير سلاح المقا/ومة في لبنان، ولم يستطع تحقيق أي عنوان للنصر. فهذا هزيمة للعدو. وخاض الحرب البرية لإعادة سكان الشمال، وتم تهجير ساكنة جنوب لبنان والضاحية، وفي الدقيقة الأولى لإعلان وقف إطلاق عاد اللبنانيون حتى وهم يتلقون التهديدات من العدو بعدم العودة. بينما المستوطنون لم يعودوا.
رئيس بلدية “كريات شمونة” يقول: لست مستعداً لعودة المستوطنين مثل الماشية للذبح وأنا لا أشعر بالأمان لتربية أولادي في “كريات شمونة”.
رئيس مجلس مستوطنة “المطلة” دافيد أزولاي يقول: الحكومة “الإسرائيلية” أبرمت اتفاقاً مخجلاً مع ح.الله.
صحيفة “هآرتس” تكتب: “يجب على الحكومة الإسرائيلية أن ترى في نهاية الحرب في الشمال كخطوة مهمة على طريق إنهاء الحرب بأكملها أيضاً على الجبهة الجنوبية في غزة”.
وصورة الهزيمة يرسمها مسؤولو العدوان. وهذا الإنهاك، الذي عبر عنه نتنياهو نفسه عندما قال إنه يحتاج إلى إعادة تأهيل الجيش وتدخيره، للتفرغ لغزة وإيران. جيش لم يستطع الوقوف في الخيام سينتصر في الباقي. بل العكس هو أن نصر الجنوب سيكون فاتحة لاتفاقات أخرى سيقدم عليها العدو.
في مفهوم النصر والهزيمة هناك رؤى متعارضة. يرى الاتفاق هزيمة نوعان من الناس: صنف صادق في دعمه للمقاومة، لكن يستثقل التكلفة ولا تظهر له النتائج. والصنف الثاني وينقسم إلى قسمين. الأول: واضح في دعمه للعدو ويتمنى لو أن الإسرائيلي قام بإبادة المقاومة، وقسم من داعمي المقا/ومة “نص نص”، الذين يساندون المقاو/مة في غزة، لكن يعتبرون الحزب مليشيات وبالتالي يعتبر الاتفاق هزيمة لأنه كان يتمناها.