![](https://www.kechpresse.com/wp-content/uploads/2025/02/نقابة-الاستقلال.jpg)
التنظيم الحزبي ينتمي لمجال مختلف عن التنظيم النقابي. يلتقيان كثيرا ويفترقان كثيرا. ودور المثقف النقابي هو الإمساك بخيط التداخل بين المجالين. النقابة حركة اجتماعية دورها خلق مستلزمات التغيير بينما دور الحزب هو صناعة التغيير بتعبير توم بوتومور. أن تشارك النقابة في هذه الصناعة لا يعني الارتهان.
لنفترض أن كل نقاباتنا تنتمي لأحزاب مشاركة في الحكومة. فما الموقف الذي ستتخذه الحركة النقابية المغربية من قانون “تنظيم الإضراب”؟
لست ممن يرجم بالغيب ولكن بناء على الموقف الذي اتخذه الاتحاد العام للشغالين بالمغرب أثناء التصويت على مشروع القانون التنظيمي للإضراب. اختارت النقابة أن تصوت لصالحه بالنظر لارتباطها بحزب الاستقلال، الذي يشارك في الحكومة.
الاتحاد العام للشغالين مر من ظروف مماثلة، خصوصا في الثمانينيات من القرن الماضي، ولم ينهض إلا بتحالفه مع الكنفدرالية الديمقراطية للشغل وخوض الإضراب الموحد للرابع عشر من دجنبر 1990. إضراب خلف ضحايا بعد انزياحه إلى مواجهات بين الأمن والمحتجين. لكن النقابة الاستقلالية خرجت منه ظافرة وكان منطلق عودتها بقوة إلى الساحة النقابية.
فما الذي يجعل مركزية نقابية تصوت لفائدة مشروع قانون يوجد شبه إجماع على أنه ضد العمال والموظفين؟ كيف تكون نقابيا وأن تصوت على قانون يدوس على مكتسبات الحركة النقابية التاريخية؟
لما تتحول النقابة إلى صدى لصوت الحزب تفقد صفتها الاجتماعية. المفروض أن يكون للنقابة أفق سياسي يرسم له خارطة الطريق، لكن ليس من مصلحتها أن تتحول إلى مجرد قطاع نقابي لحزب سياسي. وليس من مصلحة الحزب استغلال العمل النقابي كواجهة لتحقيق مكاسب سياسية، ولكن دوره أن يقوم باستثمار الحركية النقابية من أجل إحداث التحولات الكبرى. وهذا ما أسميته في البداية الالتقاء والافتراق الكبيرين.
الحزب والنقابة يفترقان في المهام النضالية، ويلتقيان في صناعة مستلزمات التغيير و”التغيير نفسه”.
ما حدث يدل على أن المركزية النقابية، التي لها تاريخ مهم في الدفاع عن الطبقة العاملة، فوضت للحزب مهمتها بل باعتها إياه.
حزب الاستقلال اليوم مشارك في الحكومة. من موقع الانضباط للانتماء للأغلبية الحكومية سيدافع حتما عن “قانون الإضراب”. لكن الاتحاد العام للشغالين لم يكن ملزما بذلك.
لو اتخذ الاتحاد موقفا رافضا لقانون الإضراب لكان أفضل له ولحزب الاستقلال. سيحافظ على مكانته لدى الطبقة العاملة، وسيكون الحزب متخلصا من ثقل “التبعية” بل سيكون حزبا لنقابييه الحرية في اختيار الموقف الصائب. ولعل العصبة المغربية لحقوق الإنسان جسدت وتجسد هذا التباين، وفي عز مشاركة الحزب في الحكومات كانت تتخذ مواقف تليق بها باعتبارها منظمة حقوقية.
إذا تحولت الحركة النقابية إلى قاطرة للعمل السياسي ضيّعت وظيفتها وإذا تحولت إلى مقطورة للعمل السياسي أصبحت مجرد آلية ضغط. في الأولى تعوض الحزب في حالة ضعفه وفي الثانية ينوب عنها الحزب من موقع الرخاء.
عندما كان الحزب قويا كان ظهيرا للنقابة. وكانت هذه الأخيرة عصية على الاحتواء حتى لو بالهروب بعيدا من السياسة. لكن الهروب من السياسة أسقطها في “الخبزي” وهنا مكمن الخطورة أن تصبح النقابة بلا أفق سياسي يحدد الرؤية للقضايا الكبرى. قانون الإضراب من القضايا الكبرى. الحزب أصبح مجرد أداة للترقي الاجتماعي والبحث عن منصب وزاري، والنقابة أنهكها أبناؤها الذين لم يرعوا حقها.