‏آخر المستجداتبقية العالم

الكاتب الإسرائيلي نتنئيل شلوموبيتس: لصاحب “أمريكا أولاً”: ماذا يعني أن ترمي “حليفة ديمقراطية” رمي الجيف؟

لم يحاول ترامب إخفاء احتقاره لأوروبا. في ولايته الأولى، قال إن الاتحاد الأوروبي “أسوأ من الصين”؛ وهدد بالانسحاب من الناتو إذا لم “يدفعوا أكثر ويتوقفوا عن استغلالنا”؛ بل وأهان معظم زعماء القارة الأوروبية. في اجتماع “جي 7″، مثلاً ألقى بحلوى “التوفي” على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وقال متحدياً: “حتى لا تقولوا إننا لم نعطكم شيئاً”. ترامب لم يتغير، بل هو أصبح حراً وبدون قيود.

ظهر الرئيس الأمريكي كمن بحث عن مواجهة علنية وببث مباشر، أمام المراسلين والعدسات وكبار قادة أمريكا وأوكرانيا. لم يظهر ترامب وزيلنسكي مسرورين منذ جلسا في المكتب البيضاوي. طرح المراسلون أسئلة وأجاب ترامب بشكل مستعجل. بعد ذلك، في المشهد الذي ظهر أنه مخطط جداً، اندفع نائب الرئيس فانس، وقال: “عليّ أن أجيب”.

عملياً، لم يكن على فانس أن يجيب. جلس ترامب جانباً، ووزير الخارجية ماركو روبيو إلى الجانب الآخر، وفي الوسط فانس الذي كان مستعداً للكمين. “هل شكرتنا ذات يوم؟”، صرخ على الرئيس الأوكراني الذي جاء إلى البيت الأبيض في محاولة يائسة لإنقاذ بلاده من غزو وحشي. “نحن نشكركم جداً”، قال زيلينسكي. وعندما سخن النقاش وصمم زيلينسكي على موقفه، انضم ترامب إلى نائبه وصرخ على الأوكرانيين لأنهم لم يستسلموا للجيش الروسي بدون شروط. “لستم منتصرين”، قال ترامب. يوجد لكم طريق للانسحاب بفضلنا”.

منذ سقوط الستار الحديدي وحتى الآن، والشك تجاه الكرملين مركب رئيسي في الهوية الأمريكية بشكل عام، ولدى الجمهوريين بشكل خاص. الجناح الصقوري في الحركة المحافظة أدار الحزب إلى أن اندفع ترامب إلى مسرح التاريخ. ويجدر فحص العنوان الذي كان على الحائط، الذي رفضه مؤيدو الرئيس باستخفاف.

التحول الاستراتيجي الذي يتشكل في الولايات المتحدة تجاه العالم لم يأت من مكان ما، بل يعكس رغبة حقيقية عميقة لتقرب ترامب من الزعماء الذين يعتبرهم أقوياء. وهؤلاء يتراوحون على المحور بين روسيا وهنغاريا. في حملته الأولى، اعتبر مرشحاً مجنوناً بسبب تصفيقه لبوتين.

معظم المنتخبين الجمهوريين في الكونغرس خافوا عندما فاز في الانتخابات التمهيدية في 2016، وازداد خوفهم في ذلك الصيف. خطوته الأولى كمرشح رسمي كانت إزالة بند واحد من حملة الحزب الجمهوري، وهو التعهد بالدفاع عن أوكرانيا وتوفير “سلاح دفاعي” لها. كان هذا بعد سنتين فقط من ضم روسيا لأجزاء في شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم.

بعد أربعة أشهر على أدائه لليمين في أيار 2017 فاجأ ترامب الولايات المتحدة والعالم بإقالة رئيس الـ “اف.بي.آي” جيمس كومي، الذي اعتبر هو من أضر بحملة كلينتون الرئاسية. كان خطأ كومي أنه فتح تحقيقاً لفحص علاقات ترامب المتشعبة مع روسيا، التي تشمل صفقات عقارية مشكوكاً فيها، حتى منذ الثمانينيات. هذه الإقالة أثارت ضجة في الحزبين بسبب المس بالمعايير، لكن كشف واشنطن لمنشور في فترة لاحقة أثار اهتماماً بما حدث بعد ذلك. بعد الإقالة، تم توثيق ترامب وهم يحتفل في البيت الأبيض مع وزير الخارجية الروسي سرجيه لافروف والسفير الروسي سيرغيه كيسلياك. صورتهم وهم يضحكون بسعادة كانت صعبة على واشنطن، لكن جهاز الأمن خاف من أن يكشف ترامب معلومات سرية جداً للشخصين الروسيين. المعلومات، التي أخفيت عن حلفاء الولايات المتحدة، وحتى داخل الإدارة نفسها، كانت تتعلق بمؤامرة لـ”داعش” في سوريا، وقد وصلت إلى الولايات المتحدة من “حليفة لها في الشرق الأوسط” في إطار اتفاق معلوماتي خاص، خوفاً من كشف مصدرها.

اللحظة التي نقشت في الذاكرة أكثر هي المؤتمر الصحافي المشترك بين بوتين وترامب في قمة هلسنكي في 2018. كان في الخلفية الكثير من المنشورات عن نتائج تحقيقات المخابرات الأمريكية التي بحسبها زرعت روسيا الفوضى في الانتخابات الأمريكية. عندما سئل ترامب عن ذلك، استعان ببوتين وليس برجال مخابراته: “الرئيس بوتين يقول إن روسيا لم تفعل ذلك. ولا أرى سبباً لأعتقد العكس”، قال وشرح ما الذي أقنعه في أقوال بوتين: “لقد كان قوياً جداً وحازماً في نفيه”.

في ولايته الأولى، كان ترامب محاطاً بطبقة جدية من الجمهوريين من النوع القديم. والحاجة إلى الترشح لولاية أخرى جعلته يفحص القيام بخطوات غير شعبية. عاد ترامب إلى البيت الأبيض محاطاً بمتملقين ومخلصين، وبدون قدرة دستورية على الترشح لولاية ثالثة.

عرف المكتب البيضاوي عدداً لا يحصى من المواجهات الصاخبة، وأحياناً بين رؤساء أمريكيين ورؤساء دول، لكن مسرحية علنية كهذه لم يكن مثلها حتى الآن. الرئيس الأمريكي استدعى رئيس دولة حليفة، في ذروة الحرب، ضد عدو مشترك، لتوبيخه أمام العالم. ومثل آخر رجال المافيا، طلب ترامب أن يسلمه نصف الثروات الطبيعية لأوكرانيا كرسوم حماية. كما يقال “كييف مدينة جميلة”، ومن المؤسف حدوث شيء لها. سار زيلينسكي مباشرة نحو هذا الشرك، لكن من غير الواضح إذا كان أمامه خيار آخر. وقد تمكن من مغادرة واشنطن بدون التوقيع على أي وثيقة تعطي الولايات المتحدة الهدايا.

التحالفات الديمقراطية التي بلورها بايدن، سرعان ما ظهر أنها ما زالت موجودة حتى بدون الولايات المتحدة، كما أن المواجهة بين ترامب وزيلينسكي كانت عرضاً إعلامياً للجمهور اليميني، الذي استهدف إثبات أن ترامب يهتم بـ “أمريكا أولاً”. زعماء الدول غردوا تغريدات داعمة لأوكرانيا وزيلينسكي. عشرات زعماء الدول الديمقراطية، من بريطانيا وحتى كندا ونيوزيلندا، تجندوا للوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ. عندما يقوم ترامب بالدبلوماسية في الغرف المفتوحة، فأوروبا أيضاً تفعل ذلك. زيلينسكي شارك كل تغريدة كهذه مع شعار “شكراً على الدعم”.

حتى الآن ليس مؤكداً أن الشعب الأمريكي الذي يعتبر نفسه زعيم العالم الديمقراطي، مسرور ليكون في المعسكر الروسي ضد أوروبا. ولكن صدمة النظام العالمي لا يجب أن تفاجئ أحداً. هناك خط مباشر يصل بين التوبيخ العلني في المكتب البيضاوي وبين خطوات الرئيس ترامب. في هذا الأسبوع، صوتت الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ضد أوكرانيا، مع روسيا وكوريا الشمالية والصين وإسرائيل. ورغم أن ترامب يوفر فضائح يومية، فمن المهم ألا ننسى المواجهة الحالية التي رمى فيها الرئيس حليفة ديمقراطية للكلاب. هذه انعطافة تاريخية في السياسة الخارجية الأمريكية ووصمة عار لن تمحى.

 هآرتس 2/3/2025

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button