‏آخر المستجداتلحظة تفكير

عبد الله العلوي: الهند.. العلاقات العربية والكيان الصهيوني

تتناسل الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية بين الهند والكيان الصهيوني، ومن أهم هذه الاتفاقيات المعاهدة التي أبرمت خلال شهر يوليوز 2008 بين شركة ثاتا الهندية، التي تملكها أسرة ثاتا ذات الأصول البارسية1، وبين المؤسسة العسكرية الصهيونية اتفاقيات تهم التصنيع والتزويد المتبادل للسلاح، و التعاون في مجال الدبابات و الصواريخ، وتكشف عمق العلاقات بين الدولتين، بالإضافة إلى الزيارات وعلى رأسها زيارة ناريندار مودي رئيس الوزراء للكيان وهو العدو الأول وحزبه جاناتا للإسلام والمسلمين حتى في الهند.

وكانت مؤسسة الفضاء الهندية قد أطلقت خلال نفس السنة قمرا اصطناعيا صهيونيا للتجسس على إيران والخليج العربي. ومن المعروف أن رئيس برنامج الصواريخ الهندي أبو بكر عبد الكلام، الذي أصبح رئيسا لجمهورية الهند ما بين 2002-2007، قام بزيارتين للكيان الصهيوني خلال التسعينيات من القرن الماضي، أثناء فترة حكومة حزب جاناتا الحزب المعادي للمسلمين. إلا أن الاتفاقيات الأهم وقعت وحزب المؤتمر الهندي بزعامة أسرة غاندي في السلطة، مما يدل على أن العلاقات الهندية مع الكيان الصهيوني وصلت إلى درجة تنفيذ الاتفاق الاستراتيجي، وهو من نوع الاتفاق الذي أبرم مع تركيا، التي لم تتخذ الدول العربية والإسلامية أي موقف تجاهه. ومما يشكل خطورة على الأمة العربية أيضا تواجد ملايين الهنود في الخليج، والخطورة ليست فقط على النسيج العربي في المنطقة، بل هي تهديد ديموغرافي شامل. وكان السفير الهندي خلال أزمة جبل علي في الإمارات العربية بمدينة دبي هدد بأن أي إجراء ضد العمالة الهندية المضربة سيؤدي إلى اتخاذ الهند مواقف صارمة ضد هذه الدولة العربية. وينبغي أن ينظر إلى هذا الأمر / التهديد في سياق كون الهند دولة نووية مرتبطة بعلاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ومتموقعة على بحر العرب الذي تطل منه على الجزيرة العربية المتخمة بالخيرات التي تحتاجها الهند بإلحاح، وهي التي لها برامج استراتيجية تهم افريقيا والخليج العربي.

اتفاق استراتيجي

والاتفاقات مع الكيان الصهيوني لا يمكن تفسيرها إلا بالعداء للأمة العربية، التي تحكمها أنظمة غير مهتمة بالأمن القومي ولا مقدرة للخطورة التي تشكلها مجموعة الاتفاقات التي يبرمها الكيان الصهيوني مع دول الجوار الجغرافي للأمة العربية. ورغم وسائط الضغط العديدة التي تملكها الدول العربية، إلا أن هاجس التوريث ومراكمة الثروات صرفها عن الاهتمام وتقدير الأخطار، التي تهدد أمة لا تتوفر على برنامج للتسلح بالتقنيات الجديدة الصاروخية والنووية، ولا تملك أصلا برنامجا للحماية لا على المستوى القطري ولا على المستوى القومي.

عندما تأسس الكيان الصهيوني على أرض فلسطين المغتصبة قبل 70 عاما، أعلن جواهر لال نهرو 1889-1964 رئيس الوزراء 1947-1964 اعتراف الهند بالكيان الجديد في سنة 1950، رغم أن هذا الاعتراف لم يصل إلى درجة التبادل الدبلوماسي، و في مطلع عام 1953 تم افتتاح قنصلية للكيان الصهيوني في مدينة بومباي=(مومباي حاليا)، التي تقع على بحر العرب، و قد رفضت الهند نقلها إلى دلهي رغم الإلحاح الصهيوني. وفي 1982 وعلى عهد أنديرا غاندي           1984-1917 تم طرد القنصل الصهيوني بعد تصريحه للصحافة الهندية بأن «الهند تخاف العرب لذلك لا تعترف بالكيان الصهيوني». وبعد اغتيال أنديرا غاندي في 1984 تكثفت المباحثات بين دلهي  والصهاينة بضغط أمريكي من أجل تبادل العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء، وكان للأوساط المعادية للمسلمين في الهند صوتٌ ضاغطٌ في المسألة، ويجدر التذكير بأن موشي ديان وزير الحربية الصهيوني بعد نكسة 1967 قام بزيارة الهند خاصة ولاية كيرالا، حيث الصراع محتدم بين المسلمين و المتطرفين من الهندوس، وقد قدم هؤلاء سيفا هدية للسفاح الصهيوني. وبعد حادثة هدم المسجد البابوري في 1992 بولاية “عوطار براديش” من طرف عناصر حزب جاناتا المعادي للمسلمين – بذريعة أن المسجد شيد على أنقاض معبد ولد فيه الإله راما-، فإن الكيان الصهيوني بعث آجورة من الذهب لبناء المعبد على أنقاض المسجد.

عبد الناصر و عرفات ونهرو

نظرا للعلاقة التي ربطت بين جواهر لال نهرو وجمال عبد الناصر، سواء في إطار ثنائي أو على مستوى دول عدم الانحياز، فإن الهند حافظت على علاقتها بالدول العربية، خصوصا أن هذه كانت لها في تلك المرحلة مواقف مناهضة لأي تعاون بين الكيان الصهيوني والدول الصديقة. وقد تميزت فترات حكم حزب المؤتمر -الذي تأسس في 1884-، بالحفاظ على العلاقة الوثيقة بالدول العربية، بعد استقلال الهند عن بريطانيا في 1947. وكانت للراحل ياسر عرفات صلة طيبة بحزب المؤتمر وبعائلة غاندي، حتى أن راجيف غاندي قال في كلمة له لدى استقبال ياسر عرفات ذات مرة:”أن ياسر عرفات خير وبركة على الهند والهنود فقد جلب لنا المطر و الخير وهو عزيز على الهنود، وعزيز بعمق على قلوب عائلتي وقلبي أنا2.

الهند دولة كبرى -3.287.263 كلم2تضم أزيد من مليار نسمة، وتملك ترسانة صاروخية ونووية منذ 1974، وانهيار المعسكر الاشتراكي أدى إلى وضع الهند إستراتيجية جديدة تهم المرحلة الجديدة مرحلة القطب الواحد. وفي ظروف الوهن العربي، فإن للهند برنامجاً في إفريقيا يهم القرن الحالي والمقبل، عندما يصل عدد سكان إفريقيا إلى النصف أو أقل عقب الأمراض الممنهجة، كما لها برنامج في الخليج العربي. وضعت الهند في هذه المرحلة أجندة جديدة لسياستها وشرعت في برنامج عسكري جديد مع واشنطن يتميز بالمناورات العسكرية المشتركة، وأبرمت معها اتفاقا نوويا يهم البرنامج النووي السلمي مع الحفاظ على برنامجها العسكري النووي حاليا ضد الصين وباكستان، وبالتالي فإن الاتفاقات مع واشنطن وُقعت وواكبت الاتفاقات مع الكيان الصهيوني. ومع تبادل العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني في 29 يناير 1992 ، تصاعدت العلاقات علما أن الاتفاقات العسكرية بين الطرفين بدأت منذ 1962 أثناء الحرب الصينية الهندية، و تم توقيع اتفاق مخابراتي بينهما في 1963، إلا أن نكسة 1967 ستؤدي إلى تعاون أكبر خصوصا مع زيارة الجنرال الهندي رافي جيت سينغ في 1971 لتل أبيب، عندما كانت الهند تتهيأ للحرب ضد باكستان، و التي انتهت بفصل و إنشاء بنغلاديش. وقد تكررت زيارات الوفود العسكرية للهند ولفلسطين المحتلة، وتعددت عمليات التدريب العسكري والمخابراتي بين الهند والكيان الصهيوني، ففي 1962 عندما هاجمت القوات الصينية الهند واستولت على 35 ألف كلم مربع من الأراضي، إذ زَود الكيان الصهيوني الهند بالسلاح خاصة المدافع والذخائر، كما زار الكيان الصهيوني وفد برلماني هندي، ثم زار رئيس الأركان الصهيوني الهند في نفس السنة 1963، حيث وقع أول اتفاق عسكري بينهما. وعندما هاجمت الهند باكستان في 1965 زود الكيان الهند بالصواريخ المضادة للدبابات ووسائل المواصلات وقذائف مدفعية، وفي حرب 1967 ضد العرب ورغم العلاقات الوثيقة بين مصر والهند فإن الهند زودت هذه المرة الكيان الصهيوني بالسلاح والذخائر والدبابات، وبعد حرب وهزيمة 5 يونيه 1967 زار الجنرال الهندي راڤ جيت سنغ الكيان الصهيوني لمساعدتها على الهجوم على باكستان الذي تحقق في 1971، وفصلت بنغلاديش أو باكستان الشرقية عن باكستان. وبعد حرب أكتوبر 1973 كانت الزيارات المتبادلة بين الهند قد وصلت حدا هائلا لدرجة تزويد متبادل فيما يتعلق بطائرات الاستطلاع ونظام الإنذار المبكر، وفي 1985 بدأت فرق عسكرية هندية بتلقي تداريب في فلسطين المحتلة خاصة في ميدان المخابرات لمواجهة الرفض الكشميري للتواجد الهندي في ولاية كشمير، وبعد 1991 وانهيار الاتحاد السوفياتي بدأت المباحثات حول الصواريخ الباليستية والتعاون في المجال النووي لمواجهة باكستان وإيران والعراق، وتطور التعاون الاقتصادي إلى درجة ضخمة، بل وتطور الموقف الهندي من القضايا العربية من المساندة إلى الحياد.

وفي زيارة لشيمون بيريز للهند في أبريل 1993، وزيارة لشارون في 2003، تم إبرام معاهدات عسكرية واقتصادية، وانتقلت العلاقات إلى مستوى استراتيجي حيث جرى الاتفاق على إنشاء مشاريع مشتركة يتجاوز عددها الثلاثمائة، وارتفع مستوى التبادل الاقتصادي من 36 مليون دولار في 1992 إلى حوالي ملياري دولار في 2006، وتضاعف هذا المبلغ حاليا عدة مرات.

لقد اندفعت الهند في علاقتها مع الكيان الصهيوني وسط صمت الأنظمة العربية، التي تجاهلت أيضا الاتفاق الاستراتيجي بين الكيان الصهيوني وتركيا باستثناء بيان القمة العربية لعام 1991. كما أن الأنظمة العربية لم تتخذ أي موقف تجاه تصاعد الاتفاقات العسكرية والاقتصادية بين الطرفين الهندي والصهيوني، خصوصا مع امتلاكهما القوة النووية والصاروخية، ومع كون الجالية الهندية في الخليج تشكل القوة الاقتصادية والمالية للعمال والعاملات المهاجرين الذين يحولون إلى الهند حوالي 10 مليارات دولار سنويا. بالإضافة إلى التبادل الاقتصادي والمالي مع الدول العربية الذي يصل إلى أرقام فلكية، ومع ذلك فالهند استمرت في توطيد العلاقة مع الكيان الصهيوني، خصوصا في ميدان السلاح والصواريخ، و في العداء المشترك لباكستان كقوة نووية، وما عزز هذا الأمر اعتراف مصر كبرى الدول العربية بالكيان الصهيوني، مما جعل العديد من الدول وعلى رأسها الهند تسقط كل التحفظات في علاقتها بالكيان الصهيوني،  وتسمح بهجرة يهود الهند إلى فلسطين المحتلة، حيث يشكلون حاليا مجتمعا صغيرا أشبه بمجتمع يهود الفلاشا، ويتم توظيف يهود الهند بالكيان الصهيوني في أعمال الأمن و الشرطة و الحراسة.

ومن أهم العوامل و الأسباب التي تجعل القضايا العربية لا تجد من ينتصر لها في مختلف أنحاء العالم، رغم أن خصوم الكيان الصهيوني هم الأغلب، إلا أنهم لا يتشجعون بسبب المواقف العربية الرخوة و الغامضة، خصوصا في الهند حيث عشرات الملايين من المسلمين3 بالإضافة إلى أحزاب ومؤسسات ضخمة تتعاطف مع القضية الفلسطينية، إلا أن العلاقات الصريحة والغامضة لبعض الدول العربية مع الكيان الصهيوني تربك هذه المنظمات والحكومات، خصوصا مع قيام بعض الدول العربية بإبرام اتفاقات سرية /علنية أو مباحثات مع هذا الكيان لمساعدتها في مواجهة إيران، وهو موقف خطير فالعدو الحقيقي للأمة هو الكيان الصهيوني ومن يسانده.

وإذا كان الاعتراف الهندي بالكيان الصهيوني تحصيل حاصل كما يزعم، فإن الاتفاقات العسكرية و تبادل التقنيات في ميدان الصواريخ وغيرهما يشكل خطورة آنية على العالم العربي و الخليج العربي خاصة، ومع تواجد جاليات أجنبية ضخمة و انعدام التسلح بالتقنيات الحديثة للدفاع، فإن الخطر يصبح داهما.

 

  1. الزراديشتيون الذين هاجروا من إيران إلى الهند في القرن السادس الميلادي.
  2. كـتـاب يـاسـر عـرفـات لبـسـام أبـو شـريف.
  3. يشكل المسلمون حوالي 20% من مواطني الهند.

 *بــاحــث

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button