• مهرجان Stimmen بمدينة Lörrach بسويسرا
• مهرجان Caracalla بمدينة Roma بإيطاليا
يمر الإنسان بمواقف تكون المحك الذي تبرز من خلاله مهاراته، وتنجلي قدرته على تجاوز كل الصعاب لتصبح قاعدة صلبة تبنى عليها شخصيته المتزنة والمتوازنة. ولعل عقبات هذه الذكرى كانت من بين الأقسى والأصعب.. ولكن بعون الله وقوته استطعت تجاوزها، رغم ما تركت في من جروح عميقة.. لا زال أثرها يحز في النفس إلى اليوم.. والحقيقة أني ترددت مرارا في سردها والخوض في الحديث عنها. ولكني آثرت تقاسمها لما فيها من أحداث كثيرة ومغامرات ..
.. في صبيحة يوم حار من أيام شهر يوليوز، تلقيت اتصالا هاتفيا أيقظني من نومي مذعورا! لقد كانت السيدة Maria Rancov .. ولكنها لا تنفك تبكي وتنوح، حتى أني لم أميز من صراخها ونحيبها سوى كلمتين اثنتين: الأكرمي وpénalité ..!!
استويت على الفراش محاولا التخفيف من روعها ولم شتات هذه الزوبعة التي عصفت بي من حيث لم أحتسب !! ومن صوتها المضطرب ونبراته المتصاعدة غضبا تارة والمنهارة خوفا وحزنا تارة أخرى، فهمت أن السيدة كانت قد كلفت ذ. الأمين الأكرمي باستخلاص الوثائق اللازمة واستخراج التأشيرات من أجل إحياء عرضين صحبة فرقة Goran Bregovic أحدهما بسويسرا والآخر بإيطاليا. لكن ذ. الأكرمي لم يقم بشيء من ذلك كله، بل وأغلق هاتفه لا يجيب على المكالمات!! وهو ما سوف يعرضها لمسائلات ومشاكل كبيرة وغرامات.! هنا تفهمت موقف المرأة فطلبت منها مهلة أعطي فيها لنفسي فسحة من الوقت أرتب فيها أفكاري وأجتهد لإيجاد مخرج لهذه الورطة الجديدة! فطلبت منها أن تعاود الاتصال بي مجددا بعد ساعة.
انتعلت حذاء قديما وجدته يتراقص بين قدماي، ولبست سروالا وقميصا خفيفين ثم خرجت استبق الخطوات لألاقي خالي هشام بمنزل جدي رحمه الله. ولكي أكسب وقتا اتصلت به هاتفيا لاستفسره، فهو على اتصال دائم بالأستاذ بحكم الاشتغال بالمعهد الموسيقي، وكونه عضوا في جوق محمد العربي التمسماني تحت قيادته، لكنه فوجئ عندما أخبرته. فبادر بدوره إلى الاتصال به من هاتفه. ولكن، لا من يجيب…!! عندها اتفقنا على اللقاء بالقرب من بيت الأستاذ.. وحين وصلنا، فتحت زوجته الباب وأخبرتنا أنه ذهب لحضور اجتماع عاجل بالولاية، وبأن السفر قد ألغي تماما!! زادت حيرتنا بهذا المستجد الغريب! وكانت صدمة رهيبة استشاط خالي هشام على إثرها غيضا، وأقعدتني حائرا محبطا أرضا..
طلبت من هشام الاتصال بسعيد، وهو منشد بالفرقة وعازف، ولديه اتصالات ومعارف، فتحرك سعيد نحو الولاية، وفي رمشة العين، أتانا بالخبر اليقين؛ إذ تبين أنه بمناسبة زفاف جلالة الملك سيقام بالولاية حفل كبير وسيقوم جوق المعهد الموسيقي بإحيائه!!..وطبعا! بقيادة الأستاذ الأكرمي !!.. والمشكلة أن يوم الحفل يصادف يوم عرضنا بسويسرا…!
بينما الكل مشغول، في الحديث عبر المحمول.. انشغلت بالبحث عن الحلول.!! فما عساي أن أقول؟ وMaria تنتظر من المفرج الفرج، ولمشكلها الحل والمخرج…
وقبل ان ينهيا الحديث سألت هشام عن الجوازات، هل لا زالت مع ذ. الاكرمي!؟ فأجابني بانها بحوزته الآن بالولاية!! فقلت له:
- ماذا لو سافرنا نحن وبقي ذ. الأكرمي لإحياء الحفل بالولاية!؟ فغيابنا لن يؤثر مادام برنامج الحفل كله موسيقى أندلسية، ويمكنه أن يعوض غيابنا باي أحد!! أما عروضGoran فتعتمد علينا: أنا وأنت وسعيد بالأساس.. وغيابنا عن هذه العروض سيكون كارثة حقيقية على الأوربيين وخسارة لنا أيضا؛ لأنه سيحط من قيمتنا، ويعطي صورة سيئة عنا وعن المغاربة ككل. كما أن غياب ذ.الأكرمي عن هذه العروض لن يضر كثيرا.
جحظت عيني هشام مبديا إعجابه بالفكرة واستدركت قائلا:
- أطلب من سعيد أن يحاول إقناع ذ.الأكرمي بالفكرة، ويأخذ الجوازات وتذاكر الطائرة منه و يلحق بنا !!
.. جلسنا ننتظر بعتبة باب إحدى المنازل المجاورة قرابة ربع ساعة، وإذا بسعيد يلوح بالجوازات من سيارته فرحا!! فقفزنا داخل السيارة متجهين نحو المعهد الموسيقي، حيث جلسنا بالقسم الذي يدرس به هشام في انتظار مكالمة السيدة Maria .. وما هي إلا دقائق حتى اتصلت!! فأنبأتها بما جرى وكاد يغمى عليها من فرط الصدمة، ولكنها هدأت واطمأنت بعد أن أطلعتها على الخطة البديلة.. والتي بناءا عليها قامت بالاتصال بالمسؤولين لتيسير حصولنا على تأشيرة إيطاليا أولا، ثم العمل على تأشيرة سويسرا فيما بعد.
.. بعد مكالمة Maria قررنا الاتجاه فورا نحو الدار البيضاء أملا في كسب الوقت، وبينما نحن في الطريق تلقيت اتصالا هاتفيا من سيدة إيطالية تتكلم بهدوء ورصانة، وأخبرتني أنها ستبقى معي على اتصال من أجل تسهيل إجراءات الفيزا. حينها أخبرتها أننا أصبحنا على مشارف العاصمة الرباط، ونحن في اتجاه القنصلية بالدار البيضاء.. فاستغربت واستحسنت سرعة تحركنا ولكنها أخبرتنا أن القنصلية العامة لإيطاليا بالدار البيضاء مغلقة بسبب عيدها الوطني.. وعلينا الانتظار ليوم غد!! لذا طلبت منا المبيت بالدار البيضاء وحجزت لنا موعدا مع القنصل على الساعة العاشرة صباحا.. وهكذا قضينا ليلتنا بفندق متواضع بقلب العاصمة الاقتصادية، بدون ملابس أو غيارات نقية، حتى الحذاء تحفة أثرية لكنه نال من الشرف والرتبة العلية، أن رافقني طيلة هذه الرحلة الدولية …!!
.. في تمام الثامنة صباحا رن المنبه. فانطلقنا نجوب شوارع البيضاء بحثا عن القنصلية، وما إن اهتدينا اليها حتى وجدنا أنفسنا أمام حشد غفير من المغاربة، أغلبهم من مدينتي بني ملال والفقيه بن صالح.. جاؤوا من أجل تأشيرة إيطاليا وكانت الشرطة المغربية تصدهم وتمنعهم من الاقتراب من الباب.
فجأة اتصلت السيدة أنطونيلا لتذكرنا بالموعد أو لتوقظنا من النوم بصريح العبارة!! فهي تعلم العلاقة الحميمية للمغاربة مع الوقت!! وحين أخبرتها أننا بباب القنصلية أطلقت ضحكة مدوية وقالت:
- ماذا تفعلون هناك؟!! ما زالت أمامكم ساعتان عن الموعد!!!
فاجتبها:
- فعلا سيدتي! ولكن أمامنا الآن أزيد من 200 شخص، والشرطة هنا تمنع كل من يقترب من الباب.. في رأيك.. كيف لنا أن نقابل القنصل أمام هذه الظروف!؟
- ( ,,,, يتبع )