الكل تابع محنة ومعاناةالطفل المرحوم “ريان” المنتمي إلى قرية أغران جماعة تمرون الجبلية الصغيرة التابعة لمدينة شفشاون كما عاش نفس المحنة التي شدت الانفاس جميع المغاربة من مختلف الجهات، وتقاسمها متعاطفون ومتتبعون من مختلف دول العالم. الواقعة المؤلمة تطرقت لها الصحف الاجنبية ايضا وعلى سبيل المثال لا الحصر نشرت صحيفة واشنطون بوست تقريرا يشير الى سقوط صبي من ارتفاع 100 قدم في بئر وعملية الإنقاذ مستمرة منذ أيام تحبس أنفاس المغرب…
كما أشارت قناة إي بي سي” الامريكية الى الواقعة موضحة ان رجال الإنقاذ يخشون على حياة صبي مغربي محاصر في بئر.التعبئة الجماعية الملحمية من اجل زحزحة الأتربة و خطر الارتطام بالاحجار في اطار عملية انقاذ الطفل من الثقب المائي المتميزة بالايثار والمخاطرة بالنفس والمواقف البطولية ، تضافرت فيها جهود مختلف السلطات الترابية والامنية والصحية والقضائية ومختلف المتطوعين والخبراء والتقنيين والطوبوغرافيين والمهندسين وسائقي الجرافات، ورجال الاعلام ، تلك العمليات التي لفتت الانظار، وحركت الاقلام والهبت مواقع التواصل الاجتماعي ، الشيء الذي يجعلنا نستحضر خطابا ملكيا ساميا جاء فيه :
“المغرب له نساؤه ورجاله الصادقون … “فالمغرب يجب ان يبقى فوق الجميع … “اني اعتز بخدمتك حتى اخر رمق لانني تربيت على حب الوطن وعلى خدمة أبنائه ان مسؤولية وشرف خدمة المواطن تمتد من الاستجابة لمطالبه البسيطة الى انجاز المشاريع صغيرةًكانت او متوسطة او كبرى.”انتهى النطق الملكي السامي فعلا ، واقعة اثبتت أن المغرب له نساؤه ورجاله الصادقون ، وأن ملك البلاد يعتز بخدمة المواطنين لكونه تربى على حب الوطن وعلى خدمة ابنائه في مختلف الجهات والمناطق ، واذا تمكن هؤلاء الرجال من زحزحة الجبل وتحريك اطنان الاتربة من أجل انقاذ مواطن مغربي فان رمزية الحدث تجعلنا ندرك قيمة المواطن المغربي بالنسبة لوطنه ملكا وشعبا من كافة المستويات.
هذا الوطن الذي اثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه يزحزح الجبال من أجل انقاذ مواطن واحد صحيح اننا ننتقد سياسات الحكومات المتعاقبة ونعتبرها فاشلة او غير مبدعة في ايجاد نماذج تنموية مجدية ، صحيح ان العالم القروي والمغرب العميق يفتقدان إلى أبسط متطلبات العيش الكريم وان الحكومة مطالبة بتشخيص الوضع في اعقاب الكارثة والانكباب على ايجاد حلول لمواجهة ندرة المياه وتوفير الماء والكهرباء والمرافق الصحية والتعليمية وشق الطرقات في المسالك الوعرة وأعالي الجبال.
طبعا تلك أمور غير مستحيلة علينا وقد حركنا الجبل ؟حان الوقت أن نفعل مقتضيات الدستور لتنزيل العدالة المجالية على أرض الواقع بدل مناقشتها في الندوات والصالونات المكيف،ة ألم يشر الخطاب الملكي السامي والمعتبر بمثابة قانون الى ذلك :”فالمناطق التي تفتقر لمعظم المرافق والخدمات الصحية والتعليمية والثقافية ولفرص الشغل تطرح صعوبات اكثر وتحتاج الى المزيد من تضافر الجهود لتدارك التأخير والخصاص لالحاقها بركب التنمية “تشخيص الاوضاع ابان عن انعدام العدالة المجالية وعن الخصاص المهول في المغرب العميق.
لذلك لا يستقيم ان تتمحور ردود الافعال بعد وفاة الهالك على تقديم المساعدة او الدعم المادي لشخص أو أسرة أو حي أو دوار ، وإنما يجب أن تتمحور حول استنهاض الهمم والحكومة مقصودة طبعا ، من أجل توفير عيش كريم لجميع المواطنين المتواجدين في أعالي الجبال والمناطق النائية ، أستحضر ما جاء على لسان الثكلى أم الراحل إذ قالت أن حفر الثقب المائي لم يكن مجديا لعدم وجود ماء . معاناة العالم القروي في جميع جهات المملكة مستمرة بسبب ندرة المياه وانعدام متطلبات العيش الكريم من مرافق صحية وكهربة وماء ومرافق تعليمية وثقافية في الوقت الذي ينعم اطفال وساكنة المدن خاصة في المركز بظروف عيش مريحة.
ومع ذلك أثبت المصاب الجلل أن الوطن بثوابته يعلو ولا يعلا عليه ، هو مزيج من دماء الأجداد وأمانة سلمها الخلف للسلف ، تاج يرصع جبين المواطن الغيور ، ولا يدنس قداسته سوى الأهوج عديم الأصول ، ما قيمة الانسان بدون وطن ؟ وبدون تاريخ ؟ ما قيمة الانسان بدون ثروته البشرية وحضارته وموروثه الثقافي النضالي الانساني ؟ ما قيمة الانسان المستلب الرافض للمصالحة مع الذات ؟ بل ما قيمة مأجوري الخارج وخونة الأوطان وكل من يقتات ويتسول لاكتساب فتات الأجانب على حساب سمعة الوطن ؟ قد نحتج ضد الأوضاع المزرية وننتقد سياسة احزاب مترهلة ، ونواجه بسياسات حكومية وقرارات لا شعبية ، ونحمل المسؤولية للناخب والمنتخب ، ونطلق صرخات مدوية ضد كل من فشل في تخطي الأزمات وكان السبب في ضرب القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة نطالب بالتوزيع العادل للثروات وإيجاد فرص الشغل للشباب.
نطالب بمنظومة تعليمية ترفع الحيف عن المعلم والتلميذ وتكون السبيل الوحيد لاستعادة منظومة القيم الضائعة وحجر الأساس لنموذج تنموي ناجح ، نطالب بتحسين ظروف الاستشفاء ورفع الحيف عن الأطباء ، نصرخ و نولول لهروب الأدمغة من ابنائنا الذين يسيرون اكبر المشاريع في العالم وعجزوا عن العيش الكريم في الوطن ، نتألم وننتفض ضد الفوارق الاجتماعية وانعدام العدالة المجالية ، وترك جهات منكوبة دون تحفيزات ضريبية ، وترك المغرب العميق يتخبط في المعاناة اليومية وضيق ذات اليد من حقنا أن نشخص ونحلل ، من حقنا توجيه اللوم لمن يبيع صوته لتجار الضمائر اباطرة المال الحرام ، وتذكيره بان التصويت على من يستعمل المال لاستمالة الناخبين لم يحقق سوى المصالح الشخصية لمشتري الضمائر.
أليس من حقنا محاسبة المنتخبين على عدم مراقبة ما يجري في المناطق النائية والتطرق للخصاص في شتى المجالات ؟الا يقع على عاتق الجماعات الترابية التزامات منحت بشأنها وعودا للناخبين ؟ من حقنا المطالبة بتدخل المشرع لتطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وتجريم الاغتناء غير المشروع ، ولكن شتان بين الحكومات والوطن ، بين الأحزاب والوطن ، بين مسؤولين فاسدين أو منعدمي الكفاءة والوطن الوطن يبقى شامخا بثوابته الأربعة على مر العصور والأجيال ، تاج أبدي أزلي ناوله الأجداد للأحفاد ومسؤولية متوارثة بين الأجيال الوطن حرك جبلا من أجل انقاذ ابنه على مرأى ومسمع المنتظم الدولي ، وشاء القدر أن ينتقل المرحوم الى الرفيق الاعلى ، ولكن رمزية الحدث ستبقى خالدة في سجلات التاريخ رحم الله الفقيد واسكنه فسيح جنانه واملنا ان تنكب الحكومة على تنزيل مقتضيات الدستور من توفير العيش الكريم لساكنة الجبال والمناطق النائية وتنزيل فعلي للعدالة المجالية اذ لا عدالة اجتماعية بدون عدالة مجالية.