اخترتُ أن أبدأ القسم الأول من كتابي ” أنا من أهوى 600 طريق إلى العشق ” الصادر عن الدار المصرية اللبنانية ” في سبتمبر 2016 ميلادية ، وهو مُكوَّن من ستة أقسام ، في كل قسم مئة طريق إلى العشق ب ” آية الكهرمان ” ، لأن الكهرمان مادة ما أن فركتها يدك ، حتى خرجت منها رائحةُ شجر الصنوبر أو رائحةُ الكافور ، التي تشبه إلى حدٍّ كبيرٍ رائحة جسد الأنثى ، التي بالتالي تشبه رائحة الأرض العطشى ، عندما تُرْوَى أو ينزل مطرٌ في دغلها السريِّ .
كما أن الكهرمان أو القهرمان أو العنبر إذا ما أُحرِق ، انبعثت منه – أيضًا – رائحةٌ مدهشةٌ آسرة وخاصة وغريبة تُغري وتجذبُ ، إضافةً إلى ظهور لهبٍ مشتعلٍ مزدوجٍ ، يلمعُ ويبرقُ كعينيْ المرأة البريَّة ساعة العشق .
والكهرمان أبديٌّ ، لا يذوبُ في الماء ، إذْ هو مادةٌ عضويةٌ تكوَّنت قبل ملايين أو آلاف السنين ، متسقٌ في شكله كجسدٍ باذخٍ منيرٍ ، وذو خصائص تتغيَّرُ كالمرأة تمامًا في سماتها ، لأنه يتحدُ ويستوعبُ ويحتوي ويحتضنُ ، إذ نرى الكهرمان يحتوي كائناتٍ داخله عمرها كعُمر الحضارات القديمة ، كأنه الأزلُ .
ومن صفات الكهرمان تنوُّعه في اللون والشكل ، حيث نجدُ ألوانه تتعدَّدُ بين الأصفر والبرتقالي والأحمر البنِّي المائل أحيانًا إلى الأسود ، والأزرق وهو نادرٌ وفريدٌ .
وكون النساء يعشقن الكهرمان ، ويستخدمنه في مُجوهراتهن ، فهو أيضًا يُشفي من الآلام والأوجاع ، وهو دواءٌ لكثيرٍ من الأدواء ، ويحمي من الشرِّ والأذى ، خُصوصًا من الحسد ، وأعمال السِّحر تحديدًا ، ويمنح الدماغَ طاقةً إيجابيةً ، ويضبط إيقاع القلب ، ويُبعد الشيخوخة عن صاحبته ، إذْ من أسمائه أنه ” إكسير الشباب أو إكسير الحياة ” ، ومن خبراتي كمهتم بالمجوهرات ، دائمًا ما أنصحُ النساء بارتداء الكهرمان كحليٍّ تزيدهن جمالا وصحةً .
وهناك أساطير كثيرةٌ حول الكهرمان لدي الشعوب ، إذْ يعتقدُ كلُّ شعبٍ في قدرته على فعل شيءٍ يخصُّ الإنسان .
ومن خصائص الكهرمان الحقيقي – غير المُزيَّف – أنه يطفو في الماء المالح ، وإذا ما نزل في القاع فهو غيرُ حقيقيٍّ أو غير طبيعيٍّ ، تم تصنيعه من مواد أخرى حديثة ، رخيصة الثمن ، وهو عندي في هذه النقطة يشبه النساء البريَّات اللواتي لا يتكلَّفن ، ولا يتصنَّعن ، ولا يدَّعين ما ليس فيهن من سحرٍ وأسْرٍ وجاذبيةٍ .
وقد افتتحتُ به كتابي ؛ لأن الكهرمان بدأ في الأصل ” دمعةً ” أسطوريةً عابرةً للأزمان والأجيال والحضارات على ساق شجرة صنوبر ، ظلَّت تكبرُ وتنمو طوال ملايين أو آلاف السنين ، حتى صارت للناس زينةً ، كدمعة المرأة التي تبدأ صغيرةً ، وتكبرُ حتى تتحجَّر في المآقي مع تكاثف آلامها ، وتزايد أوجاعها ؛ مما يلحق بها من المجتمع المحيط ، ومن الرجل الذي أحبَّت أو ارتبطت به ، تلك دمعةٌ أبديَّةٌ كانت في الأصل نقيَّةً وبريئةً ، لكن من فرط تكرار نزولها شابتها شوائبُ ، وعلقت بها على مدار السنين ذرَّات الأسى ، وغُبار الوجع ، لكنَّها تظلُّ رغم ذلك الأصفى والأنقى والأشفّ والأندر .
وكان اليونانيون قديمًا يعتقدون أن الكهرمان ما هو إلا ” دموع الإله ” ، حيث كانت الأشجار تبكي دموعًا ذهبيةً ، تحوَّلت بعد ذلك إلى الكهرمان ” الذهبي ” .
والكهرمان ابن مملكة النبات يشبهُ جسدَ المرأةِ في ليونته وانسيابيته وتجلِّيه وإشراقه ، وكذا في شفافيته ونقائه ، ودرجة نورانيته ، إذ من السهل تشكيله وتطويعه وصياغته ، وقد استخدمه المصريون القدماء لطرد الأرواح الشريرة ، والكهرمان كالمرأة تمامًا ، إذْ عندما يتعرَّض للنور يتحوَّلُ ويتغيَّرُ كيانه ، وكذا المرأة إذا ما تعرَّضتْ لنور العشقِ صارت كائنًا آخرَ غير الذي كانت عليه .
كنتُ أخجل وأنا صغير من نطق الزمرد والزبرجد وأميل إلى التعويض عنهما بنطق الذهب والماس والفضَّة واللؤلؤ والياقوت والعقيق والجاد ( اليَشْب ) ، … لأن ليس في أسمائها حرف الراء ، إذ كنت وما زلت أنطق الراء الباريسية ، ولأنني لم أعد أخجل من نطقها ، ولما كنت في المدرسة ألقي خطبي أتجنب الكلمات المحتوية حرف الراء كواصل بن عطاء ، فقد اختتمت كتابي ( أنا من أهوى 600 طريق إلى العشق ) بقسمٍ سادسٍ أسميته ( زمرد الجنة ) ، يضم مئة طريق إلى العشق ، إذ الزمرد – عندي – هو الجنة لمن تلبسه من النساء .
وقد ساءلتُ نفسي هل النساء يحببن الزمرد ؛ لأن قلوبهن خضراء كلونه ، شفيفة ونادرة وعالية القيمة ؟
وإذا كان جسد المرأة بحُكْم تضاريسه الجغرافية الفاتنة يُفْتِنُ بانحناءاته وانسياباته ، حيث يخفي ويستر ، فإن الزمرد يحتوي قشورًا دقيقةً تسمَّى سُتُر ( جمع ستار ) ، وهي تستر وتحجب تمامًا ، كما تفعل المرأة حين تخفي زمرد جسدها بما يشفُّ أو يخفي ، أو إن شئت قل الدانتيل أو الحرير الذي يصف ويبدي ويظهر ويغري .
والزمرد الذي قصدتُه في القسم الأخير من كتابي هو ( زمرد الجنة ) ، الذي تُعْجَب به النساء ، ويسعين إلى ارتدائه ، إذ هو شديد الشعاع كأرواحهن ، خُصوصًا البريَّات منهن ، اللواتي لا يحببن اختلاطًا في تكوين أرواحهن كالزمرد الذي ( لا يشوب خضرته شيء من الألوان من صفرة ولا سواد ولا غيرهما ، حسن الصبغ ، جيد المائية ) كما يذكر أبو العباس أحمد بن يوسف القيسي التيفاشي في كتابه ” الأحجار الملوكية ” .
والزمرد في حضوره كحضور الأنثى في كسرها للضوء ، ووهجها ، وتوقدها ، ولمعان عينيها ، إذ هو حجرٌ لديه قدرةٌ على خلق إيقاعٍ نغميٍّ عالٍ لدي المُحبين من العارفين في العشق ، فهو ابن المنطق والروح ، حيث يمنح الحكمة لمن يرتديه ( وربما هذا ما جعلني أقتني خاتمًا لي من الذهب المُطعَّم بالزمرد والماس من مزادٍ في أمستردام ) .
ولأن الزمرد يُؤسِّس للفرح والعشق ، فقد ختمتُ به كتابي ، وربما – أيضًا – أردتُ لمن يقرأ – خُصوصًا النساء – أن لا يُلْدَغن من ثعابين الرجال ، ويكشفن كذبهم عليهن ، حيث يحمي الزمرد من لدغات الثعابين والحيَّات ، وكذا يشْعر القلب بالكذب ، إذا ما رأى أحدًا يكذب ، فيتغيَّر لونه .
وإذا كان الزمرد يمنح المرأة سِحْرًا وألقًا ، فإنه يُبْطِلُ عمل السِّحْر ومسّ الشياطين ، ويُورِّث الجاه ، ويمنح الفصاحة ، ويؤجِّج الشهوة في العشق ، ويُعتقَد في تعبيره عن الوفاء .
هل أردتُ باستخدامي الأحجار الكريمة مفاتيح لكتابي – وليست فقط مجرد عناوين – أن أداوي النفوس بها حينما ترتبط بالعشق ؟
لأن الزمرد – مثلا – شافٍ للقلب ، يؤثِّر إذا ما اكتمل القمر وكان في تمامه ، خُصوصًا إذا أتى الربيع مختالا ، كما أنه جسرٌ بين قلبين منقوعين في العشق .
والزمرد – عندي – حجرٌ مُقدَّسٌ يرمزُ إلى الخلود والخصب والخير والخيال والماء المُنَزَّل من السماء ، إنه حجرُ النبوءات والأسرار والغموض والديمومة .
فكان المصري القديم يتَّخذ الزمرد تمائمَ تقيه وتحميه ، وتدفع عنه الأذى ، وتمنحه البركة والبقاء .
ولكم تمنيتُ أن أنقش – لمن أعشقُ – الستمائة طريق إلى العشق على أحجار الزمرد ، مثلما نُقشت الوصايا العشر على ألواحٍ من الزمرد كما يُروَى .
*ahmad_shahawy@hotmail.com