قيل الكثير عن نجاح الفريق الوطني لكرة القدم في الوصول إلى المربع الذهبي، وإعلاء صوت الكرة والرياضة الوطنية دوليا، لكن دون البت في الأسباب جميعها، التي جعلت هذا الإنجاز التاريخي ممكنا بعد أن كان يبدو لنا من ضروب المستحيل.
كما أن أصواتا أخرى تعالت لكي تتساءل عن الأسباب التي تجعلنا لا ننقل مرتكزات النجاح في الكرة إلى جميع المجالات الأخرى.
إن هذه القوة الضاربة التي حققت النجاح الكروي نبعت من ستة مرتكزات، يمكن اعتبارها أساس تألق الفريق الوطني، كما يمكن اعتبار بعضها أساس النجاح التنموي العام كذلك، إذا ما تم اعتمادها في القطاعات الأخرى:
1) توفير جميع المعايير والمرتكزات الدولية للتكوين والتأطير والتدريب الجيد بإرادة سياسية للدولة، بما فيها الاعتمادات المالية المطلوبة، والتي استنكرها كثيرون واعتبروها تبذيرا للمال العام، (خلافا للفترة السابقة التي شاعت فيها الفوضى والتسيب واللاعقالنية في التسيير والتدبير، والتي وصلت أحيانا إلى هضم حقوق اللاعبين المادية وحرمانهم منها). وهذا المُعطى مهم جدا، إذ لا يمكن منافسة فرق دولية تحظى بكل الإمكانيات اللوجستيكية المطلوبة، باعتماد أنصاف الحلول وأنصاف الإمكانيات.
2) استقطاب المهارات الكفأة بالشروط التي ترتضيها، وهو واحد من الأسس التي كانت غائبة في الماضي بسبب سوء التقدير الذي تميز به الناخب الوطني السابق، وبسبب خلل في معايير الاختيار، والتي أصبحت اليوم أكثر وضوحا وإجرائية.
3) توفر مدرب وطني يجيد التواصل بالدارجة المغربية والفرنسية والإنجليزية، ويخاطب كل لاعب باللسان الذي يتقنه، فمعظم اللاعبين المغاربة من أبناء العائلات المهاجرة في بلدان مختلفة، عاشوا سياقات متباينة وتربوا في أوضاع وبلغات تختلف حسب البلد المضيف، ولا بد من مخاطبتهم باللغات التي ترتبط بحياتهم اليومية وأحيانا بحميميتهم، وفي هذا الإطار فقد كان مثيرا للاهتمام تخصيص المدرب لجلسات لكل واحد من اللاعبين على حدة لتأطيره وتوجيهه وتحميسه. وقد انتهج السيد وليد الركراكي أسلوبا جديدا غير مسبوق في فريقنا الوطني، ويتمثل في إعطاء أهمية كبرى للقيم الرمزية، التي تخلق التلاحم بين أعضاء الفريق، وتجعلهم كتلة متراصة، ومعلوم أن هذا العامل هو الأكثر أهمية في كرة القدم، حيث لم يعُد اللعب والمهارة الفرديين من أساب التفوق والنجاح، بل صار اللعب الجماعي والانسجام والتفاهم الكبير بين اللاعبين حتى في غياب النجوم هو مصدر الفوز.
4) الروح الوطنية والشعور الهوياتي بالانتماء لوطن أصلي، حتى ولو كانت هناك جنسية أخرى، مما شكل لحاما بين كل أعضاء الفريق الواحد وخلق لديهم قضية يستميتون من أجلها، وهي رفع راية الوطن عاليا بين الأمم، ويفسر ذلك الروح القتالية الكبيرة والتضحيات الجسيمة التي بذلها اللاعبون رغم كثرة الأعطاب بينهم وشدة التعب والإرهاق، ورغم التزامهم باللعب في أندية أوروبية وغيرها، يتقاضون منها رواتب خيالية أحيانا.
5) حضور العائلات والأمهات مع ما ترمز إليه العائلة في الثقافة المغربية من قيم التلاحم والتراحم والعطف وحرارة المشاعر، وهو عامل زاد من حماسة اللاعبين وضاعف من إرادتهم على الفوز والنجاح.
6) اللعب في قطر، باعتبارها من بلدان منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، حيث المجال الحضاري المشترك الذي أتاح تلاحما وتعاطفا جماهيريا واسعا مع المنتخب الوطني، إضافة إلى الدعم الجماهيري الإفريقي جنوب الصحراء، باعتبار المغرب ممثلا للقارة الإفريقية، الذي رافقه جمهور مغربي متميز ومتحمس ومؤثر خلق أجواء كروية رائعة ونال تنويه جميع المشاركين.
أما عن نقل أسباب النجاح الكروي إلى مجالات أخرى فدروس المونديال الأربعة أكثر وضوحا من أن تخفى على لبيب، وتتمثل فيما يلي:
ـ توفير الإمكانيات والاعتمادات الضرورية لإنجاح المشاريع التنموية ومراقبة أشكال صرف الميزانية وحمايتها من الفساد والسطو والنهب، وذلك في ظل إرادة سياسية حاسمة في ربط المسؤولية بالمحاسبة.
ـ اعتماد معيار أولوية الكفاءة والمهنية على العلاقات الزبونية والقرابة والتدخلات الفوقية.
ـ وضع الثقة في الكفاءات الوطنية والقطع مع العادة السيئة لتفضيل الأجنبي واحتقار الذات.
ـ شحذ الروح الوطنية والشعور الهوياتي بالانتماء للمغرب، من أجل رفع إنتاجية المغاربة في جميع المجالات عبر تمتيعهم بحقوقهم حتى يقوموا بواجبهم.