السلطان ، والمشتغلون بالدين ، والجهلاء يخشون الآية القرآنية { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ * …} ” من سورة العلق ، والتي اشتهرت بين المسلمين بأنها سورة اقرأ ، ومن ثمَّ يكرهون الكتاب ، ويتربَّصُون بصاحبه ، بالسجن والتكفير والاتهام بالزندقة والهرطقة والخروج من الدين ، وفي الزمن الحديث ازدراء الأديان .
ولا أدري هل يعلمون أنهم زائلون جميعا ، وذاهبون إلى النسيان ، وأرض التيه ، بينما يبقى الكتاب حيًّا يُرزق يعلِّم ويُنير ويُشرِق ويُرشِد ويفتح الأفق أمام قارئه ، إذْ إنَّ عمره طويل ، حيث يفنى كارهوه ، ويظل – هو – شاهدًا على كراهيتهم له ، وجهلهم ، وحقدهم على العارفين ، واحتقارهم لأصحاب العقول ؛ لأنهم يحتكرون الحقيقة ، رائينَ أنفسهم مُصلحين في الأرض ، بينما يعرف الجميع أنهم يلغُّون في الفساد ، باعتبارهم الناطقين الرسميين باسم الله سبحانه وتعالى ، ونوَّابه بين الناس على الأرض ، التي صارت سموات لهم ، مما يجعلهم يمارسون الوصاية على الناس، و العنف ضدهم ، حيث يرى كل فرد منهم نفسه ” المنقذ من الضلال ” ، إذا استعرتُ عنوان كتاب أبي حامد الغزالي.
وإذا كان كاتب الكتاب يتعرَّض إلى الإقصاء ، والخروج من المشهد ، حد الاغتيال المعنوي والجسدي ، فإن الكتاب نفسه يتعرَّض إلى الإتلاف والإلغاء والمحو والحرق والتدمير والدفن والغسل في الماء والتمزيق والخزق والتقطيع ، والذي يفعل ذلك في الكتب هو حفيد أسلافه في التاريخ العربي والإسلامي ، الذي اعتاد تغييب الكتاب والكاتب بحرقهما وسجنهما ، وهناك ألاف الحوادث المنتشرة في العصور العربية والإسلامية المختلفة ، بما فيها عصور الخلافة ” الإسلامية “.
وللأسف لم تتوقَّف هذه الظاهرة ، بل هي مُستمرة ، وإن كان بأشكال أخرى ، تمثَّلت في الرقابة الشديدة على الكتب ، رقابة على أسماء الكُتَّاب ، قبل محتوى ما يكتبون .وما الرقابة إلا إحراق ، وإقصاء ، وإتلاف ، وإغراق للكتاب في الماء ، ولكن بصورةٍ عصريةٍ ، إذ يتم تغييب الكتاب في المخازن ، أو فرمه بآلات حديثة ، إذ الذي اخترع آلة الطباعة هو نفسه الذي اخترع آلة الفرم والإتلاف .
* ahmad_shahawy@hotmail.com