إنهم أشخاص أذكياء، يعرفون اتخاذ الموقف المُداهن للتيار العام، من أجل مصالحهم، أما المبادئ فيتركونها للأغبياء.
ومثل تُجار الحرب، لا مكان للعواطف الإنسانية في قلوب تجار التخلف، ولا مكان للوطن، لأن العبرة بالأرباح لا بالقيم، وبأعداد الأتباع المُغرّر بهم الذين يُترجَمون إلى دراهم.
أصبحت العبرة في زماننا بأعداد المتابِعين لا بقيمة الأفكار والمواقف، ولا بنُبل المقاصد، ولكي يزداد أتباعك وتزداد أرباحُك عليك أن تقول للناس ما يُرضيهم، حتى ولو كان خاطئا وبعيدا عن الصواب، أو منافيا للعلم أو حتى للواجب.
ولهذا يحرص تجار التخلف على ألا يُغضبوا الناس، وأن يُراعوا عكس ذلك مشاعرهم وغرائزهم البدائية، التي تميل إلى العنف والقسوة والرغبة في الانتقام، على الواحد منهم أن يتجرد من ذاته ومن ضميره لأن المقام يقتضي ذلك، وإلا انفضّ الناس من حوله وذهبت أرباحه.
في معترك اليومي، لهؤلاء التجار هدف واحد وحيد، هو الرفع من عدد المتابعين، وكل قضايا الوطن ليست قضاياهم إلا بمقدار ما تتوافق مع رغبات الناس وغرائزهم، حتى يضمنوا أن يتكاثر أتباعهم ولا يفقدوا جمهورهم. ولهذا عليهم أن يختاروا مواضيعهم بدقة، ومعيار الاختيار هو ما يريده الناس ويريحهم ويُرضي نزواتهم المتوترة.
ولأن لكل تجارة خسائرها، فإن أول خسارة لتجار التخلف هي خسارتهم لأنفسهم، لكن بفضل تفكيرهم الواقعي وذكائهم لا يشعرون بأي وخز ضمير، فما قيمة خسارتك لنفسك إذا استطعت أن تكسب الناس بأعداد كبيرة، وترفع نسبة مشاهدتك والاستماع إليك، وبالتالي نسبة أرباحك؟
هذا هو المنطق الذي يجعل هؤلاء التجار يربحون فعلا على حساب أنفسهم وعلى حساب الوطن الذي يتركونه متخبطا في أوحال تخلفه، التي يعتبرها العامة وحُراسهم “ثوابت” و”خصوصيات” و”تقاليد عريقة”.
لا يتوقف الغرب عن إبهارنا بمخترعاته التي ترتكز على فلسفة ورؤية للعالم مخالفة لما يسود عندنا من أفكار ورُؤى، ولأننا لا نستطيع أن نستغني عن المخترعات التقنية التي يبتكرها العقل الغربي، كما لا نريد في نفس الوقت التخلي عن أسباب تخلفنا، فالنتيجة معروفة: تسخير كل ما يتمّ اختراعه من أجل ترسيخ التخلف الذي أصبح سوقا رائجة لتجار مُواظبين، انتهازيين ومهَرَة.
ولكن، أليس تأخر الحلّ الديمقراطي الشامل السبب الرئيسي لوجود أمثال هؤلاء الذين يقتاتون على هشاشة أوضاعنا؟