(هذه المقالة من أرشيفي , أعيد نشرها , لكل غاية مفيدة ,بعد 11 سنة مرت عليها )
دخلت حركة 20 فبراير شهرها السادس..وهي في وضع يثير الكثير من الحديث والجدل, حول هويتها وأفقها,وأساليب عملها واتخاذ قراراتها ,وحول الدور المطلوب منها أداءه في المرحلة السياسية الراهنة, بكل ما تفرضه من استحقاقات ومهمات جديدة , فالعديد من القوى و الفعاليات المجتمعية, التي احتضنت هذه الحركة ودعمتها, فكرة وروحا وتظاهرا, ودعت إلى تحصينها وحمايتها من أي توظيف معاكس لأهدافها ومبادئها المحركة لها , ينتابها اليوم, قلق مشروع حول مآلها, الذي خيب الآمال التي علقت عليها في ألأسابيع ألأولى لانطلاقتها . • كانت الانطلاقة واعدة ومثمرة ..أخرجت المشهد السياسي من ركوده .. بثت الروح في الحقل الحزبي, وحطمت الكثير من “طابوهاته”.. و حررت الإعلام الرسمي لأسابيع ,من تحجره وانغلاقيته.. وساهمت بقوة في تسريع الاستجابة لمطلب الإصلاح ا لدستوري.. ودفعت ببعض وجوه الفساد والتحكم إلى التواري أو الاعتكاف في انتظار هدوء ما توهموه مجرد “عاصفة عابرة”.. وقد شجعت أساليب التظاهر السلمية على انخراط واسع في المسيرات شمل فئات من مختلف الأعمار والأجيال, وفعاليات مجتمعية متنوعة المرجعيات والتجارب النضالية .. و كانت لبعض المبادرات التظاهرية الجميلة والمعبرة , كتوزيع الورود على رجال ألأمن ,عقب اعتداء 13 مارس بالبيضاء ,وتخصيص أيام للتبرع بالدم , وأخرى لتنظيف ألأحياء الشعبية..دلالات قوية على تشبع الحركة بقيم السلم و التضامن والتسامح. هكذا انطلقت حركة 20 فبراير: حركة مجتمعية عفوية مستقلة ,بدون انتماء إيديولوجي موحد , محددة سقف مطالبها السياسية في إرساء نظام الملكية البرلمانية,وإسقاط كل أشكال الفساد السياسي والاقتصادي, ما جعل منها امتدادا نوعيا وايجابيا للحركة الديمقراطية التقدمية,ورافدا من روافدها المناضلة من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية . بعد نحو شهرين على هذه الانطلاقة المفعمة بالآمال والفعالية ,تعرضت فيهما الحركة لأنواع من المضايقات والتحرشات ببعض رموزها, بدأ يدب ويزحف داخلها بدهاء وشيطانية توجه يحاول فرض هيمنته ونزوعه” الثوري” التصعيدي, واختراق سقفها السياسي عن طريق التجييش الشوارعي, و الشعارات الشعبوية المناهضة للجميع بما في ذلك مكونات رئيسية و فاعلة في هذا الحراك الشعبي ..وبذلك ,تحولت حركة 20 فبراير, هي التي أرادت لنفسها أ ن تكون “عابرة للإيديولوجيات والمرجعيات المختلفة ” إلى حلبة صراع داخلي من طبيعة سياسية ,تعانق فيها الاسلاموي واليسراوي, وفرضا, بالتالي, على الحركة مسارا مغايرا لروح وتوجهات الانطلاقة : فمن مسيرة إلى أخرى ,هيمنت الشعارات المرتبطة برهانات واستراتيجيات محددة ,هي بالتحديد ,تلك الرافضة للعملية السياسية ب الإصلاحية الجارية,ولكل الفاعلين من داخلها, وفي هذا السياق لابد من ملاحظة ما يلي : _ _ فرض شعارالمقاطعة للدستور الجديد,كمرتكزات ( خطاب الملك في 9 مارس ) , وكآلية إعداد له (ما سمته الشعارات بلجنة ألمنوني ) ,وكمشروع معروض على الاستفتاء , وذلك في تجاوز لاستقلالية الحركة ,ولواجب احترام الاختلاف داخلها حول المسالة الدستورية, مع العمل على تدبيره ديمقراطيا بما يعزز وحدة مكوناتها واستقلاليتها كحركة مجتمعية متعددة وجماهيرية . _تخوين “نعم للدستور”, التي تعبر عن إرادة ملايين المواطنين والمواطنات وجل القوى السياسية الوطنية الفاعلة , ما أدي بالحركة إلى الوقوع في انعزالية الدينامية السياسية الجديدة, وأثر بالتالي, سلبا على جماهيريتها, و على مصداقية بعض مكوناتها .. _ وتماديا في هذا المسار الانحرافي عن روح وأهداف حركة 20 فبراير , تم رفع شعارات تستهدف النظام بشكل مباشر في العديد من المسيرات: ( جماهير ثوري ضد النظام الديكتاتوري _المخزن اطلع برا _ من يعين الوزراء..هو..من يعين المسيرات السفراء ..هو ..),ثم ,أخيرا, جاء القرار الاستفزازي لتحالف “السيف والمنجل” بتنظيم مسيرات في غمرة احتفال الشعب المغربي بعيد العرش, ليشكل إعلانا فاضحا, لنوايا هذا التحالف وأهدافه من الانخراط في حركة 20 فبراير المجيدة.. هكذا فرض على الحركة مسار مغاير لروح وتوجهات البداية . حقا ,إن سلوك أجهزة الدولة القمعي تجاه حركة 20 فبراير ساهم في الكثير من مظاهر التصعيد الشعاراتي و الميداني,ومن ردود الفعل غير المحسوبة النتائج ,ولكن ذلك لا يعفي الحركة من نقد ذاتي لمسارها وأدائها ,وتقييم موضوعي يرمي إلى تعزيز حصيلتها الايجابية على العموم ,(المشار إلى بعضها أعلاه ), ووضع إستراتيجية ترسي أسس استقلاليتها,وتكرس وجودها واستمرارية حضورها على أسا س خطة عمل جديدة ,محايثة وملتصقة بالواقع السياسي في لحظته العينية الملموسة, وفاعلة فيه لا متعالية عليه , فذلك هو ما سيضمن ارتفاع منسوبها في الشارع من جهة , ويقوي تأثيرها على حركية الإصلاح والتجديد للأحزاب المساندة لها , المنتمية شبيباتها عضويا إليها ,من جهة أخرى .. إ ن الرهانات غير الواقعية لبعض مكونات حركة 20 فبراير تماهت, بوعي أو بلاوعي مع مسارات “الثورات العربية” وهو ما أضر بالحركة , وأدى إلى تراجعها وتفككها من الداخل , ما يفرض التشبث بسقف مطالبها : إقرار ملكية برلمانية, ومحاربة الفساد بكل أنواعه بواسطة الضغط على الدولة لاتخاذ إجراءات ملموسة ضد جميع المفسدين ممن ثبت تورطهم في قضايا وملفات معينة ,وبموازاة ذلك ,الدفع في اتجاه سن سياسة اقتصادية واجتماعية جديدة, تجعل من العدالة الاجتماعية مبتدأها وخبرها…إلى غير ذلك من العناصر البرنامجية الموحدة لكل الطيف السياسي والنقابي والجمعوي ,ولكل الفئات الاجتماعية المتطلعة للعدالة والكرامة والحرية .. وبكلمة, لكل من يسعى إلى التغيير من داخل الاستمرارية…ومن قلب السيرورة الإصلاحية الجارية بإكراهاتها و تعثراتها , المتعددة الأسباب والمصادر…أما خارج ذلك فليس سوى أضغاث أحلام ..