“لولا الخوف من الحوت لما تعلمنا السباحة” من رواية “الزمن الموحش” لحيدر حيدر
إن تضخم الأنا ليس مرده الغرور والثقة المفرطة في الذات فقط ، وإنما غالب أسبابه يعود إلى استعمال المخاطرة والتزيد للتغطية على الجبن الذي يغلف العزيمة المفتقدة ويعوض الإرادة الواعية المنشودة ، وقد يلعب التيه والتردد دورا كبيرا في دفع المتهور ( أو الجبان ) إلى تمويه الخصوم المفترض أو الأعداء الوهميين وحتى الحلفاء الأشباح وتضليل الذات والمحيط ، وذلك بادعاء قوة منعدمة وحجم مزيف . من هنا يمكن معاينة لجوء البعض إلى تمثل النزعة الفوضوية التي تتبنى شعار ” Ni dieu ni maitre ” ، وهو خيار يعبر عن رفض قيم الانتماء للمؤسسة ، سواء كان تنظيما او جماعة او عقلا جمعيا، أي الاحتكام للعقلانية والرصانة يجسد الامتثال والانضباط لقواعد التعايش المشترك ، وبهذا تكون الحرية ، تعسفا ، مرادفا للفوضى والتمرد والمعارضة ، وبنفس القدر يكون الاعتدال ، في نظرهم مطابقا للخذلان والخضوع والإذعان . وبذلك وعلى إيقاعه عشنا وتعايشنا ، كجيل ” القنطرة ” ، مع ثنائيات استعصى علينا بسببها أن ننعم بالإستقرار المستحق ، في واحة الفضيلة كملاذ آمن وسط بحر من الرذائل ؛ ثنائيات من قبيل الأسود أو الأبيض ، ومن قبيل الوعد او الوعيد ، والإيمان مقابل الإلحاد ، يؤطرها إدعاء الطهرانية مقابل الخطيئة وكأننا في حرب ضروس بين ملائكة الخير وشياطين الشر . صحيح أن التناقضات والصراع المترتب عنها حاضرة وضرورية ومن ثمارها ، كقانون ، انتاج التحول والتطور ، غير أن الخيار ليس دائما و بالضرورة افتعاليا وارادويا او جبريا أو قدريا . فهل قومنا اختياراتنا وسلوكاتنا المتناقضة أو المفارِقَة في اتجاه الوسطية ؟ أم فقط اكتفينا بالإعلان عن خطاب نوايا الإعتدال ، دون أن نتخلى حقيقة عن العنف والإستئصال كجواهر للشر والكراهية ؟ أم عوضنا سلبياتنا الصلبة بالاضطهاد السائل باستثمار أقنعة التقية والإزدواجية والحربائية ضمن مقتضيات القوة الناعمة ؟ ومتى سنرقى إلى مستوى التمييز بين الوسطية كفضيلة من شأنها تقوية مشروعنا الحداثي والحضاري ، وبين التوفيقية كرذيلة تضعف موقعنا التقدمي لفائدة من نستقوي بهم ، في صفوف الأصوليات هنا وهناك ؟