في ظلال استمرار علاقته بالأممية الإشتراكية ، وفي خضم سطوع نجم فرانسوا ميتران كرئيس لفرنسا ، من 1981 إلى 1988 (ستجدد الولاية إلى 1995) ، سيعود الفقيد عبد الرحيم بوعبيد في لقاء تلفزي ( يوم 12شتنبر ) عشية الانتخابات التشريعية لسنة 1984، ليعلن عن ضرورة التأسيس لتناوب على تدبير الشأن العام ، وهي رسالة ذات معنيين الأول هي أن الاتحاد الاشتراكي قطع مع خيارات المؤتمرين الاستثنائي والثالث ، فالمقاعد التي لم تكن ” تهم ” صارت مهمة ، ليس فقط لممارسة معارضة قوية ، برلمانية من داخل المؤسسات ، ولكن أيضا لممارسة الحكم بالتدبير الحكومي المفوض ، وهذا المعنى الآخر للرسالة . غير أن الاشتراط الضمني للقبول بالمشاركة هو مضمون المذكرة التي رفعها المكتب السياسي ، سنة 1984 الى الراحل الحسن يعترض فيها على برنامج التقويم الهيكلي الذي فرض على المغرب من طرف صندوق النقد الدولي.
وفعلا فاز حزب الاتحاد الاشتراكي ب34 مقعدا، وهي نتيجة اعتبرها حزب الاستقلال مطبوخة على حسابه “على إثر النكسة الخطيرة التي عرفتها التجربة الديمقراطية في انتخابات 1983و 1984 قرر الحزب (الاستقلال ) الخروج من الحكومة والعودة إلى موقعه في المعارضة ليواصل نضاله من أجل سلامة ومصداقية المؤسسات المنتخبة دمقراطيا، الشيء الذي لن يتحقق إلا باحترام إرادة المواطنين وتمكنهم من اختيار من يمثلهم في المجالس المنتخبة بكل حرية بعيدا عن كل مظاهر الضغط والتزوير.
في حين اعتبر أعضاء اللجنة الإدارية ( مجموعة بنعمرو ومن معها ) أن “الدولة منحت 34 مقعدا مقابل إعتقال نفس العدد من مناضليها وأطرها في القيادة” وكانت النتيجة بالنسبة للرأي العام نهاية الصراع داخل الاتحاد بين الجناحين ، وتكرست القطيعة بانعقاد المؤتمر الوطني الخامس للاتحاد سنة 1989، الذي أكد الاختيار الجديد معتبرا أن الخيار الدمقراطي هو البديل لكن ليس بواسطة نهج الاشتراكية العلمية بل عن طريق الإشتراكية الديمقراطية ، وهو ما حدا بحزب الطليعة أن يعلن عن تغيير الإسم سنة 1991 في انتظار عقد مؤتمر إعادة تأسيس حزب الاتحاد سنة 1994 ، مع ” التشبت باستراتيجية النضال الديمقراطي ” وهو ما ” يلخصه النعتان الواردان في الإسم ” حزب الطليعة الديموقراطي الإشتراكي “.
فهل حصلت القطيعة فعليا بين الحزبين أم فقط بين إرادات تراهن على دور الزمن في ظل تحول السياقات ، خاصة وأنه سيتم إحياء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان سنة 1988 بمبادرة من الفقيد محمد الحيحي بالانفتاح على فعاليات ثقافية وأمازيغية ، مقابل تأسيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بمبادرة من عبد الرحمان اليوسفي والمهدي المنجرة سنة 1989 . في نفس الوقت الذي سيبادر نوبيررالأموي ، باسم كدش، الى بناء جسور الحوار والتنسيق مع نظيره عبد الرزاق افيلال نيابة عن الاتحاد العام للشغالين بالمغرب . كما أن الفقيد النقيب عبد الهادي لقباب رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان سينسق العمل مع النقيب عبد الرحمان بنعمرو عن الجمعية ، وسيتوج العمل بصدور الميثاق الوطني لحقوق الإنسان . وعلى مستوى العمل السياسي والمؤسساتي والبرلماني” وفي إطار توجهه الوحدوي ( القول لقيادة حزب الاستقلال) واعتبارا منه لأهمية العمل المشترك بين فصائل الحركة الوطنية فقد حرص حزب الاستقلال على تنسيق جهوده داخل مجلس النواب مع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وأدى التقارب بين الحزبين بصفة خاصة وبين سائر أحزاب المعارضة بصفة عامة إلى تقديم ملتمس للرقابة ضد الحكومة سنة 1990 …” كان مقدمة تحضيرية للمعارك اللاحقة أبرزها دعوة الكدش والاتحاد ع ش م لشن إضراب 14 دجنبر 1990 بفاس.
وهكذا سيحاول حزب الاتحاد الاشتراكي استرجاع قوته التفاوضية بتأسيسه الكتلة الديموقراطية مع حزب الاستقلال حزب التقدم والاشتراكية وحزب الاتحاد الوطني لعبد الله ابراهيم ومنظمة العمل الديموقراطي الشعبي ، وهو وضع لم تقبل به الدولة ، بدليل ما صرح به صهر الملك أحمد عصمان لإحدى المنابر الإعلامية : ” أن الحسن الثاني اتخذ قرارا بحل حزب عبد الرحيم بوعبيد بعد المذكرة التي أصدرها الحزب والتي رفض فيها قرار المغرب بإجراء استفتاء حل الصحراء، مشددا على أنه كان الوحيد الذي خرج عن الإجماع السياسي ” وكان عصمان قد سخر من الكتلة الديمقراطية التي أسسها الإتحاد مع حزب الإستقلال ، حيث قال ” إن أكثر من حارب الإتحاد الإشتراكي هو حزب الإستقلال، موضحا أن الإجتماع الذي تدارس حل الإتحاد الإشتراكي كان أكثر من حضره هم الإستقلاليون، وحينها كان المعطي بوعبيد وزيرا أولا ” ، وهو المناضل الاتحادي الأصل والذي دستر لونه السياسي بالمصاهرة مع القصر، وعلى نهجه سارت به الركبان .
* تنظيم المركز المغربي للعدالة الانتقالية
والمركز المغربي للديمقراطية والأمن