اذا كان دستور المملكة منح المواطنين و جمعيات المجتمع المدني حق تقديم ملتمسات في مجال التشريع وتقديم العرائض ، فمن باب أولى أن حق التقاضي مضمون دستوريا بقوة الفصل 118 من الدستور، وحق تقديم الشكايات مكفول لجميع المواطنين مصلحة المواطنين وجمعيات المجتمع المدني في التقاضي وتقديم الشكايات متوفرة متى تعلق الامر بالمال العام الذي يعتبر ملكا لكل المواطنين، ويعود نفعه والأرباح الناتجة عنه لخدمة جميع المواطنين دون تمييز، يعتبر اعتماد دستور 2011 محطة متميزة في مسار البناء الديمقراطي للمغرب, ومن أولوياته العمل على ترسيخ هذا المسار من خلال بناء الدولة الديمقراطية ومحاربة الإختلالات وأوجه الفساد عبر التنزيل التشاركي الديموقراطي لمقتضيات الدستور والجهوية المتقدمة، وإصلاح الإدارة وتكريس استقلالية السلطة القضائية وفعاليتها.
وقد ارتقى الدستور بالمجتمع المدني إلى سلطة كاملة في مجال التشريع وتقييم السياسات العمومية والتي تنظمها المقتضيات الدستورية خصوصا الفصول :12- 13 – 14 – 27 – 33 – 139- 170 من الدستور، والخطب الملكية السامية التي تؤكد على أهمية المجتمع المدني في تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية والسياسية ( خطاب العرش 30 يوليوز 2000 , وخطاب 30 يوليوز 2003 , وخطاب 18 مارس 2005 , والخطاب المرجعي 9 مارس 2011) , بالإضافة إلى ان الحكومة السابقة كانت لديها وزارة أنيط بها مهمة تتبع وتعزيز حكامة المجتمع المدني الا انه لم يعد لها وجود في الحكومة الحالية .
وقد أكد الدستور في الفصل 14 على أحقية المواطنين في تقديم ملتمسات في مجال التشريع والتي تعد من أهم مرتكزات الديموقراطية التشاركية. وكذا خارطة طريق توضح معالم تنظيم العلاقة بين المواطن والدولة ، كما نص في الفصل 15 على حق المواطنين في تقديم عرائض الى السلطات العمومية. لذلك فإن القول بتجريد المجتمع المدني من حقه في ممارسة انشطته بحرية. هذا الحق المخول له بمقتضى الفصل 12 من الدستور، ليعتبر تطاولا على الدستور الذي نص على مساهمة الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام والمنظمات غير الحكومية في اطار الديموقراطية التشاركية في اعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها، إضافة إلى إشراك هذه السلطات العمومية مختلف الفاعلين الاجتماعيين في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها. علما أن جمعيات المجتمع المدني التي منحها الدستور مجموعة من الصلاحيات في اطار الديموقراطية التشاركية لا يمكن حرمانها من حق التقاضي المضمون دستوريا لجميع المواطنين الذين يقدمون شكاياتهم التي نصت المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية بشأنها أن وكيل الملك يتلقى المحاضر والشكايات والوشايات ويتخذ بشأنها ما يراه ملائما دون حرمان أي طرف من حقه في تقديم شكاياته. وطبعا فإن كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي مكتسب لحجية الأمر المقضي به .
وطبقا للدستور فإن الأحكام لا تصدر إلا على أساس التطبيق العادل للقانون ، نستنتج من ذلك أن النيابة العامة تتلقى جميع الشكايات والوشايات ، وأن قضاة الاحكام ملزمون بتطبيق القانون وتعليل الاحكام. وأن الملك هو ضامن استقلال السلطة القضائية اعتبارا من كونها مستقلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية التي يعتبر وزير الداخلية جزء منها .
ولعل تبخيس أو تقزيم دور المجتمع المدني ليعتبر في قمة ضرب المسار الديموقراطي، على اعتبار أنه يساهم في استتباب السلم الإجتماعي نظرا لدوره الإيجابي في خلق فرص جديدة وتحقيق مداخيل وتوفير خدمات متعددة لصالح الفئات الإجتماعية الفقيرة والمهمشة وبصفة عامة، فإن المجتمع المدني يساهم في خلق جو مشجع للنمو الإقتصادي, ويعطي الفرد إحساسا بأنه قادر على محاربة الفساد والمحسوبية والزبونية والتأثير ولو بقدر ضئيل في بيئته الإجتماعية كما يعطي قدرا ولو متواضعا من الشعور الجماعي بالأمان اتجاه الدولة ويتيح عددا أكبر من فرص الإرتقاء الذاتي.