ربيعة ، سيدة في الخمسين من عمرها ، تعمل كمنظفة للسلالم في إحدى البنايات الواقعة في الحي الاداري ،تحضر ثلاث مرات في الاسبوع ،صباحا ،لتقوم بتنظيف السلالم وأيضا مكاتب احدى الشركات التي اشتغلت بها مدة خمس سنوات خلت ،منذ ان طلبت من إحدى بنات جيرانها الموظفة في تلك الشركة الأجنبية ، أن تبحث لها عن عمل يمنحها مدخولا إضافيا الى جانب ما تحصله من بيعها الخبز في السوق المركزي كل مساء .حيث كنت من بين زبائنها من حين لآخر .
ربيعة تعيش بمعية أمها المسنة ، والتي تعاني من مرض مزمن ، يتطلب من ربيعة مصاريف، وأيضا العناية اللازمة بالام التي أصبحت عاجزة وفي حاجة دائمة لتواجد ربيعة ،مما يعقد الامر عليها ،لانها مجبرة على أن تزاول عملها خارج البيت .كما يشارك ربيعة حياتها الأسرية ، زوجها العاطل ، والخامل ، لم يكن متحمسا دائما للعمل ،لكنه،يحتفظ بامتيازاته كزوج مدلل، كما لم يقلقه وجود ابنه الشاب الذي يتابع دراسته الجامعية ، التي تصر ربيعة على أن يتابعها الى ان يحصل على شهادة جامعية ، تؤهله للعمل مستقبلا ، لم تكن تبخل على ابنها بأي شئ ، مادام في حدود مدخولها ،كانت الفرحة تملأ عينها كلما حدثتك عنه .
ربيعة ، هي وغيرها من النساء اللواتي ينتظرن حلول شهر رمضان ،وأيضا أيام الأعياد ، حيث يفسح لهن مجال بيع مصنوعاتهن المنزلية ,(خبز ،بغرير ،حلوى …)،ليتحول السوق الى مزاد علني لبيع الاجود، وتشتد المنافسة بينهن أيضا ،في محاولاتهن إثارة انتباه الزبائن من خلال مدح صنعتهن ، وهن مبتسمات ، أو ينثرن هنا وهناك قولا بهدف بعث الفرح و الدفئ بينهن وكل من يقصدهن .
في حين ترى غيرهن ممن يقمن بمساعدة بائع الخضار على تنقية ( الخرشوف ،القوق ،الجلبان …)حيث يضعنها في أكياس بلاستيكية مع قليل من الحامض ،وغالبا ما تكون زبائنهن من المشتغلات خارج البيت ، أو ممن يرفضن القيام بهذه الاعباء المنزلية …كانت النسوة تتحلقن حول بائعي الخضار ، يقدمن هذه الخدمة مقابل أجرهن من يبحثن عن عمل يساعدهن على تلبية بعض حاجيات أسرهن المعوزة،بل كنت قد لا حظت ان احدى النساء اللاتي يتسولن قد التحقت بهن مؤخرا ، لم اخف ابتهاجي من هذا التحول . كانت سيدة في عقدها السادس ،تجلس كل يوم قرب بائع الخردة ، تستجدي المارين ،الذين لم يكونوا دائما كرماء معها .
ربيعة ،سيدة جميلة ، رغم قهر الزمان لها ،لا زالت تحتفظ بملامحها التي تخبر عن جمال فاتن ،ذات يوم التقينا وهي في ابهى حللها ،فأبديت إعجابي بها وبجمالها ،وعقبت على قولي انها تستحق حياة أفضل من هاته التي تحياها الان ، وكنت كمن حرك لديها المواجع ،لم يكن ذاك قصدي ،فوجدتها تتحسر على ما حدث لها خصوصا انها تعيل أسرة ،كان من الواجب أن يتولى أمرها زوجها المتكاسل ، وهنا ندت عنها تنهيدة عميقة ، لتقول لي : ٱه مدام فريدة ، لقد جعلتني أتذكر ماضيا قد ولى ،لم يكن هو من سوف يشاركني حياتي ،كان شخصا ٱخر ، لكن الأقدار فعلت بنا ما نحن عليه الآن، فلا أنا هنأت بحب ، ولا أنا عشت عيشة كريمة . نظرت إلي بعينين ملأهما الدمع ،وابتسامة باهتة تعلو شفتيها الشاحبتين . مغادرة المكان وهي تحمل سلة خبز من حجم كبير .
* كاتبة رأي من أسرة كش بريس