د محمد فخرالدين أولا عيد فطر سعيد لجميع قراء “كش بريس”…هذه إطلالة على الشعر العربي من زاوية و نافذة عيدية احتفالية ، أو من وجهة نظر ثقافية و شعرية على الخصوص ، فكيف عاش الشعراء العرب العيد بعد شهر من الصيام ، و كيف تفاعلوا مع أجوائه و كيف احتفلوا بلحظاته … تغنى الشعراء العرب بالعيد وهم تتوزعهم مشاعر الفرح أو الحزن .. و هم ما بين متأمل و مصدوم و منتظر على أحر من الجمر موعد الإفطار.
وهم ما بين مرحب و متفائل و متشائم…و من يستغل لحظة العيد في المدح و التكسب الذي كانت سوقه رائجة في سابق الأيام ، و كسبه معلوم ..
*وصف هلال العيد : ربط ابن المعتز بين منظر الهلال وبين عيد الفطر، وشبه شكله بمركب من فضة في بحر من الظلمة التي تظهر كحمولة من عنبر مما يزيد ضوءه بهاء و وضوحا ، وذلك كناية عن رقته و شدة الظلام المحيط به … رحب الشاعر بهلال الفطر واعتبره مناسبة لتحية الأصحاب و تهنئتهم و تصبيحهم بالعيد و الإسراع في ذلك لما فيه من إشاعة الخير و العلاقة الطيبة بين الناس .. قال : أهـلاً بفِطْـرٍ قـد أنـاخ هـلالُـه فـالآنَ أغْدُ على الصِّحاب وبَكِّـرِ وانظـرْ إليـه كزورقٍ من فِضَّــةٍ قـد أثقلتْـهُ حمـولـةٌ مــن عَنْبَـرِ ويشبه ابن الروميّ انقضاء هلال الصوم وبياضه بحاجب شيخ ابيض و شاب من طول عمره و هرمه ، فالعلاقة بين الهلال و حاجب الشيخ يجمعها بالإضافة إلى البياض الشديد الشكل المقوس ، فشكله يشبه القوس تماما مثل الحاجب ، كما نجد في الأغنية الشعبية ..هاذوك حجبان و لا هلال يبان ..؟؟ نفس الإشارة بالقول في سياق السؤال الاستنكاري و يعني بصيغة المفرد هل هو حاجب أم هلال يظهر من بعيد .. و المقصود في سياق النسيب أن الأمر لا يتعلق بالإشادة بالبياض ، لعدم مناسبته المقام و دلالته عى هروب الشباب و الهرم و الشيخوخة ، و هو أمر غير محمود في مقام المدح أو الغزل ، و إنما بالدقة في رسم الشكل المقوس تماما .. إن ولادة هلال العيد من جديد و ظهوره ينهي الصوم و يأذن للناس باستئناف حياتهم الطبيعية في الأكل و الشرب : ولما انقضى شهـر الصيـام بفضله كحاجـبِ شيخٍ شابَ من طُولِ عُمْرِه تجلَّى هـلالُ العيـدِ من جانبِ الغربِ يشيرُ لنا بالرمـز للأكْـلِ والشُّـرْبِ
*العيد و الجديد : يتساءل المتنبي عن ما سيأتي به العيد من جديد، وهل من معنى للعيد في غياب الأحباب وبعيدا عنهم ، متسائلا باستنكار : عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر ما فيك تجديد؟ أما الأحبة فالبيداء دونهم فليت دونك بيد بعدها بيد بالنسبة للشاعر العيد لم يأت بجديد فحالة الغربة هي هي ، و الأحباء قد لجوا في البعد و غرقوا فيه ، و الأقارب صاروا أباعد بينهم صحاري و قفار، فما العمل بالعيد و ما دلالته على الجديد ، إنه بهذا المعنى عند الشاعر يوم عادي لا جديد فيه، يعلوه غبار الرتابة كغيره من الأيام و يحل فيه الحزن و الهموم .. فالعيد أساسا يرتبط بالجديد من لباس أو طعام رغم أنه مبني على العادة و الاستمرار، هو حال و شعور نفسي بحالة الفرح و السرور بقدوم لحظة سعيدة و إحساس جديد ، و هو ما لم يتحقق بالنسبة إليه .. أما شاعر المهجر فيتخذ عنده العيد طابعا فلسفيا يدعو إلى التأمل في معناه و تدبر في أحوال الناس ، فلا معنى للعيد خارج دائرة الفرح الجماعي .. فهو يتأمل حال الناس و قد أتى العيد و لم يجلب معه الفرح و السرور، فماذا يكون العيد و ما معناه إذا لم يكن معادلا للفرح و السرور : أقبل العيد و لكن ليس في الناس المسرة لا أرى إلا وجوها كالحات مكفهرة تحذر الضحك كأن الضحك جمرة أيها الشاكي الليالي إنما الغبطة فكرة
*العيد والواقع الاجتماعي : في حين يتحدث اليا أبوماضي في قصيدته ـ ابتسم ـ عن العيد من جانب آخر ، جانب التكاليف التي يفرضها على المستضعفين في الأرض ، فالعيد أقبل بمتطلباته و ما يلزمه من إنفاق على الأهل و الأبناء .. و هذه المطالب تعترض و تحول دون الفرح ـ حيث أن وضعية الشاعر المالية لا تسمح له بمواكبة أجواء العيد و نفقاته .. فكف الشاعر لا تملك درهما كما يقول : قال المواسم قد بدت أعلامها و تعرضت لي في الملابس و الدمى و لي على الأحباب حق واجب لكن كفي ليس تملك درهما أما الشاعر المعتمد بن عباد فقد أدركه العيد و هو في حالة لا يحسد عليها ، فقد أدركه سجينا في أغمات يرى هوان نفسه وأهله و بناته في غير لباس العيد ، وهو يرتدي لباس الأسر عوض الحرية ..فقال في ذلك مشفقا على حاله و على أهله مقارنا بين الماضي و الحاضر .. فيمـا مضى كنـتَ بالأيامِ مسروراً فجـاءكَ العيـدُ في أغماتَ مأسـورا تـرى بناتِـكَ في الأطمـارِ عاريةً يطأنَ في الدَّيْنِ ما يملكـن قطميـرا و لا يجد الشاعر العراقي مجالا للسعادة والفرح بالعيد و هو يرى مشاكل الوطن .. فيقول: يقولـونَ لـي : عيـدٌ سعيـدٌ ، وإنَّهُ ليـومُ حسابٍ لـو نحـسُّ ونشعـرُ أعيـدٌ سعيـدٌ !! يا لها من سعـادةٍ وأوطانُنـا فيهـا الشقاءُ يزمـجـرُ و خاصة أن القدس ، لا زالت تعاني من الأسر ، فيقول : يمـرُّ علينا العيـدُ مُـرَّاً مضرَّجـاً بأكبادنا والقدسُ في الأسْـرِ تصـرخُ عسى أنْ يعـودَ العيـدُ باللهِ عـزّةً ونَصْـراً، ويُمْحى العارُ عنّا ويُنْسَـخُ وكذلك عمر أبي ريشة الذي يتمنى أن يمر العيد و يأتي بالانتصار و المجد .. يا عيـدُ مــا افْتَرَّ ثَغْرُ المجدِ يــا عيدُ فكيـف تلقاكَ بالبِشْـرِ الزغـاريـدُ يا عيدُ كم في روابي القدسِ من كَبِدٍ لها على الرَّفْـرَفِ العُلْـوِيِّ تَعْييــدُ سينجلـي لَيْلُنا عـن فَجْـرِ مُعْتَرَكٍ ونحـنُ في فمـه المشْبوبِ تَغْريـدُ
*استبطاء العيد : و هناك بعض الشعراء الذين تناولوا العيد من جهة أخرى ، من جهة انتظارهم للإفطار ، ، لم يرجعهم الصوم عن غيهم و لم يعدهم إلى رشدهم،فمنهم من نفذ صبره و قد أدركه الحنين إلى عادته القديمة .. ومن مثل ذلك قول بشار بن بُرْد مبدياً ضجره من رمضان مستثقلاً إيّاه ، متعجّلاً انقضاءه، وقدوم العيد ، فقال : قُلْ لشهر الصّيامِ أنْحلتَ جسمي إنّ ميقاتنا طلوعُ الهلالِ اجهــــد الآنَ كلَّ جَهْدِكَ فينا سترى مـا يكون في شوّالِ والسؤال هو بم يتهدد الشاعر شهر الصيام …بقوله سترى كفعل منفتح على المستقبل من الشهور الشيئ الذي يعني عدم نيته في الثوبة و الإقلاع .. كما ينقل أحد الدارسين ـ عن أحمد شوقي موقف هؤلاء الشعراء الذين اعتبروا شهر رمضان حاجزا بينهم و بين موضوع شغفهم و ما يتأبطونه : رمضانُ ولّى هاتِها يـــا ساقي مشتاقــةً تسعى إلى مُشْتاقِ بالأمسِ قد كانا سجينَيْ طاعةٍ واليـوم مَنَّ العيدُ بالإطلاقِ ..