كرماح: لا أشعر أننا خسرنا روائيا كبيراً، لقد ترك لنا كونديرا ثروة وافرة من الروائع التي تخلده ضمن أعظم الكُتاب
ضمن هذه المقابلة، يحدثنا الروائي والناشر المغربي، يوسف كرماح، عن علاقته بأعمال ميلان كونديرا وعن وضع الرواية المغربية الشابة.
- كيف كانت تجربتك في مهرجان “ثويزا” بطنجة؟
- ج ـ مهرجان ثويزا من المهرجانات الهامة في العالم العربي، يرتكز على العمل الجماعي وعلى التضامن كما تؤكد التسمية. استطاع استقطاب واستضافة أهم المبدعين داخل وخارج أرض الوطن، أتاح فرصة للجمهور المغربي اللقاء مع العديد من الأسماء الهامة، من بينها أدونيس وإبراهيم الكوني، ويوسف زيدان ونوال السعداوي… ويسهم في تشجيع الطاقات الإبداعية الشابة بإدراج لقاءات أدبية مع أهم الكتاب الكبار. إضافة إلى تنظيم ورشات وأنشطة موازية للنداوات، من قبيل؛ أماسي فنية، ورشات ثقافية، معارض كتب، ومعارض لوحات فنية…
- ما الذي أصاب آلتك الكاتبة حتى تمتنع عن رثاء روائي كبير من قبيل ميلان كونديرا؟
- ج ـ بكل صراحة العزاء الوحيد تجاه هذا الكاتب العالمي الكبير أنني قرأت جميع أعماله مبكراً، ليس بالضرورة أن أذكره وأرثيه عندما غادر هذا العالم. كونديرا علمني الكثير في تقنيات الكتابة. لم أركز على مواقفه السياسية ـ كونه أحد الشيوعين العصاميين الذين ظلوا متشبثين بآرائهم وإديولوجيتهم ـ وإن كانت ضرورية لفهم سياق الكثير من أعماله، ولكن ركزت على الأسلوب والأفكار وكثافة المعنى.
- ما شعور روائي حيال خسارة روائي ؟
- ج ـ لا أشعر أننا خسرنا روائيا كبيراً، لقد ترك لنا كونديرا ثروة وافرة من الروائع التي تخلده ضمن أعظم الكُتاب.
- من تشيكوسلوفاكيا الشيوعية، التي فرضت على كونديرا رقابة شديدة، إلى باريس، حيث النخبة الأدبية هناك تتباهى بقوالبها الأدبية، في الصالونات وعلى المجلات النقدية، كيف أثر هذا الاجتثاث على مسيرة كونديرا الأدبية؟
- ج ـ المعلوم أن كونديرا عاش صراعا مريرا بين انتمائه وهويته التشيكية الأصلية هاربا من الاضطهاد والرقابة وبين الانتساب الفرنسي الذي كان يشعره بالغربة. يمكن استنتاج هذه المسألة في متونه الروائية، ما دام صاحب الخلود كان مقلا من اللقاءات الصحفية والتصريحات، وأحب فيه هذه الخصلة الداعية إلى فهم الكاتب ومحاورته من خلال كتبه. فرواية “الجهل” تعالج تيمة المنفى وتغذي الحنين الذي يعيشه الكاتب. أما رواية “كائن لا تحتمل خفته” فيعبر بوضوح عن هذا الحنين: “الذي يعيش خارج بلده، يمشي في فضاء فارغ فوق الأرض تحت شبكة الحماية التي تمدها إلى كل كائن بشري، البلاد التي هي بلاده، حيث عائلته، وزملاؤه، وأصدقاؤه، وحيث يمكن أن يُفْهَمَ من دون أيّ مشقة في لغاته التي يعرفها منذ طفولته”. قرأت مرة مقالا يؤكد أن كونديرا كان يزور التشيك سريا وبإسم مستعار. ظل رهينة وطنه مرتع رواياته. ولما عُرضت عليه الجنسية التشيكية في خريف العمر قبل بها على الفور وعاد إلى التشيك، كانت فرنسا مرحلة ومهرب للعديد من المبدعين الذين كانوا يعانون من الاضطهاد في بلدانهم… ولكن يبقى الوطن وطناً يستبد به حنين العودة إلى الديار. هذا لا يعني أنه لم ينهل من الثقافة الفرنسية التي طبعت رواياته القصيرة الصدارة في التسعينات، بل تشبع بالهوية الفرنسية وحاول التعايش مع طقسها.
- هل قرأت أعمال كونديرا؟ ما الذي يميز سرديته على باقي الروائيين العالميين؟
- ج ـ قرأت جل أعمال كونديرا المترجمة إلى العربية، وهي متوفرة في السوق العربي وهذا دليل على أهمية الكتاب في التداول العالمي. السؤال الذي طرحته على نفسي، هل يتفاعل القارئ العربي فهما وإدراكا ومتعة مع أعمال كونديرا؟
تتميز أعمال كوندير بالخصوصية كل عمل على حدة، لقد أدى مهمة الديبلوماسي من خلال تقديم بانوراما عميقة للسوسويلوجا التشيكية. ولئن لم يكن يعتبر كونديرا ثروة قومية في التشيك فإنه استطاع أن يحظى بصيت عالمي، وأن ينشر الثقافة التشيكية على نطاق واسع. ولا يمكن أن تذكر التشيك بدون ذكر كونديرا. فضلا على أنه أرسى متاريس فكرية تقوم على الجمع بين العمق الفلسفي والتأملات وبين التواشجات الاجتماعية .
- ما مدى تقييمكم لاستقبال أعمال كونديرا في المغرب؟ قراءة ونقدا وترجمة.
- ج ـ يلقى كونديرا اهتماما بالغا محليا وعربيا، نظرا للأهمية التي تحظى بها أعماله العالمية، يكفي أن يلقى الكاتب صيتا عالمياً واهتماما غربيا لتتهافت دور النشر على نشره وانتشاره.
- أنت ناشر أيضا. وتدير دار أكورا AGORA. ما الذي يميز رؤيتكم في النشر؟ أسبق أن توصلتم بعمل يتناول ميلان كونديرا؟
- ج ـ للأسف كناشر وافد جديد على عالم النشر، ما كنت لأحظى بحقوق نشر كتب كونديرا لأن الحقوق محفوظة لناشرين قدامى، احتكروا العديد من الأسماء العالمية التي لا تنفد من سوق الكتاب.
- تقول الناقدة البحرينية بروين حبيب، في معرض تقييم روايتك “وحي آلة كاتبة”: “إنني أرى بعدا للرواية هو بالضبط ذلك البعد الذي يختص به الكتاب المغاربة ويتوفقون فيه ببراعة على مستويات جمالية اللغة والسرد معا.” كيف تقيم الإنتاج الروائي اليوم في المغرب، خصوصا الرواية الشابة؟
- ج ـ أشكر كثيرا الإعلامية بروين حبيب على كرم التشجيع والتفضل بقراءة نقدية حصيفة مشجعة للرواية. إنه اعتراف يغذي كينونة الروائي الذي يسكنني.
الرواية المغربية قطعت أشواطا عدة، انفتحت على عوالم جديدة. وظهرت أسماء لامعة شابة استطاعت أن تبصم آثرها في الرواية العربية، وساهم في ذلك التطور التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي وتحفيزات الجوائز… الإشكال الكبير الذي تعاني منه الرواية العربية يتجلى في كونها ظلت رهينة المحلية، لم تستطع أن تقتحم عالم الترجمة إلى اللغات العالمية، وذلك راجع إلى أن الأدب العربي لا يلقى اهتماما لدى القارئ الغربي، على العكس، القارئ العربي يستهلك الانتاج الغربي بوعي وبدون، ويجب أن نقاوم هذه العقدة.