مشاركتي مع الفنان العالمي Goran Bregovic (تابع – 7 )
• مهرجان Stimmen بمدينة Lörrach بسويسرا
• مهرجان Caracalla بمدينة Roma بإيطاليا
… أخذنا موقها قرب باب القنصلية الحديدي من جديد نترقب حلول الموعد المنتظر .. ولم يمر وقت طويل حتى نودي علينا لنتسلم الجوازات وعليها التأشيرات، ثم انطلقنا نحو وكالة الأسفار لأخذ تذاكر السفر الجديدة وأديت الفارق..!
اتصلت بعدها بأنطونيلا لأخبرها أن الأمور على ما يرام، فأخبرتني بدورها أنها تعمل عل حل مشكلة تأشيرة سويسرا التي لم تكن قد انضمت بعد لدول السوق الأوروبية المشتركة.. وأكدت لي أنها قامت باتصالات على أعلى مستوى كي تمنح لنا التأشيرات وتسلم لنا حال وصولنا إلى مطار مدينة بازل السويسرية.. كما أخبرتني كذلك أنها حجزت لنا بفندق قريب من مطار Barajas بمدريد للمبيت قبل معاودة السفر في الغد إلى سويسرا .. أخيرا طلبت مني الاحتفاظ بجميع الفواتير ومصاريف السفر لتصرفها لي عند لقاءنا بروما ..
.. عدنا إلى فندقنا المتواضع بقلب الدار البيضاء التي كانت تعرف ازدحاما وحركة فوق العادة.. كيف لا والمغرب يشهد حدثا عالميا وتاريخيا، وزفافا ملكيا أسطوريا !! .. وخلال تناولنا لوجبة الغذاء، وبينما نحن نتجاذب أطراف الحديث، انتبهنا إلى أن سيارة سعيد لا يمكنها أن تقلنا وعتادنا كله إلى المطار.!! فنحن في حاجة لسيارة أخرى .. كما أنني انتبهت إلى أن بطارية هاتفي بدأت تحتضر!! وللأسف نسيت أن أطلب من سعيد إحضار الشاحن معه من تطوان.. !
.. استلقى الجميع على الأسرة بالفندق، بينما ركبت سيارة أجرة واتجهت نحو سوق درب غلف لألقى بعض أصدقائي وزملائي في تجارة الهواتف النقالة وإكسسواراتها ، والتي كنت قد تركتها لأزيد من سنة.. فرحوا لمقدمي ورحبوا بي كثيرا.. وطلبت من أحدهم أن يوصلني غدا إلى المطار بسيارته فوافق دون تردد، وفوق ذلك سلمني شاحنا لهاتفي و لم يشأ أن يأخذ مني ثمنه !
.. عدت إلى الفندق وقد نال مني التعب و الإرهاق ، ووددت الاستلقاء ولكن المصائب لا تأتي فرادى .! فما إن وصلت الهاتف بالشاحن حتى وجدته يرن معلنا عن مشكل جديد!! هذه المرة يتعلق الامر بمدير أعمالنا عمران الذي لم نره ولم نسمع صوته منذ أن تمرنا ببيته بتطوان خلال لقائنا الأول بGoran و Oggi و Maria .. طلب مني بلهجة الآمر الناهي أن أحجز له معنا بنفس الرحلة .. فأخبرته أنه لا يمكنني ذلك فقد تم تغيير تذاكر الرحلات ، كما أنه لم يكن هناك حجز باسمه .. فصاح في قائلا :
- أنا من أتاكم بهاته (الهمزة) ..!! أنا مدير أعمالكم.. ولا يمكنكم السفر بدوني !!
.. آثرت الروية وعدم الرد بنفس الروي.. فلم أكن أريد خلق جبهة عدائية جديدة، فأجبته :
- حسنا! .. سأتصل ب Maria لأستشيرها في الأمر..
أقفلت الخط وقصدت هشام وسعيد بالغرفة المجاورة وأنبأتهما بما جدّ ! ثم قمت بالاتصال ب Maria وما إن أخبرتها حتى ثارت ثائرتها وقالت غاضبة:
- أين كان الرجل عندما ذهبنا الى Saint Denis و Chiasso ؟!! ولم لم يقم بحجز التذاكر واستخلاص الفيزات بنفسه !!؟؟ أنا لن أتعامل معه مجددا.. وسيكون تعاملي من الآن فصاعدا معك أنت !!
أغلقت السيدة Maria الخط وأغلقت معها كل باب للتسوية ، واضعة على عاتقي كل العبء والمسؤولية، وتاركة العبد لله في مواجهة المدفعية !! نظرت إلى زملائي
اتطلع لمن يجود علي بالمشورة، والحلول مع التعب والحيرة أمست محصورة .. فأشاروا علي بالاتصال ب ذ. الأكرمي علّه يأتينا بفتوى ترفع عنا ضرر.. إلا أن الأخير ترك لنا حرية التصرف و أتخاذ القرار .. وبينما نحن بين أخذ ورد، اتصل عمران من جديد ولا زالت لهجته المتعالية طاغية تصدح بالوعيد والتهديد:
- هل اتصلت ب Maria ؟؟؟ .. قل لها أنني سوف أقاضيها إن لم تحجز لي معكم في هذا السفر؟!!! وعليكم أن تعودوا فورا !!!
.. وصلت هنا إلى نقطة اللاعودة .. فقد تحاملت على نفسي وحمّلتها فوق ما تطيق ..ووجدت نفسي أنفجر فيه قائلا:
- أولا! لن أسمح لك أن ترفع صوتك علي مرة أخرى فأنا لست خادما عندك ..
- ثانيا: أنت من أقحمنا في هذه المشاكل !! .. وما قمنا به لحد الآن من حجوزات وسعي وراء استخلاص التأشيرات ، هو من صميم عملك الذي تؤجر عليه!!!
- ثالثا: لقد أخذنا المبادرة بعد أن تشاورنا مع ذ. الأكرمي وإذن لنا باتمام الاجراءات وبالسفر ..
- رابعا: حين تسلمنا جوازاتنا والتذاكر من ذ. الأكرمي، لم يذكر لنا أنك ستسافر معنا ولم يكن هناك حجز باسمك أصلا!!!!
- وختاما.. لقد قمت بالاتصال ب السيدةMaria ، وهي تقول أنها لا تريد أن تتعامل معك مطلقا…!!!
حينها أطلق الرجل مدفعيته الثقيلة بوابل من السب والشتائم، فما كان مني إلا أن أقفلت الخط في وجهه ، ورحت على غرفتي لأعيد شحن هاتفي قبل أن تشحن أعصابي وأجد نفسي مضطرا للنزول إلى مستوى رد الشتيمة بمثلها أو بأسوأ منها .. !!
.. كان من الطبيعي ألا يغمض لي جفن ، فكثرة الضغوط وتوالي المواقف المربكة جعلني أقضي الليل متقلبا على فراش متقد زاده لهيب الحر وغياب المكيف اشتعالا .. ليلة بيضاء قضيتها بين استحضار الأحداث والإحداثيات وبين التفكير في العواقب والعقبات وتخمين القادم من المفاجآت.. ولا زلت على هذا الحال حتى أذن للصلاة، فقمت للفجر بالاستغفار والدعوات لله أن ييسر أمرنا ويقلل العثرات، ويمن علينا بالخير والبركات..
.. استفاق الجميع حوالي الساعة التاسعة صباحا.. أخذنا فطورنا ثم وضعنا بعضا من حقائبنا وآلاتنا بسيارة سعيد، ثم انتظرنا قدوم صديقنا عبد الواحد الذي تأخر علينا كثيرا .. فقد كانت الشوارع مزدحمة وأكثرها مغلقة بسبب الإجراءات والتحضيرات لحفل زفاف جلالة الملك، وتحسبا لمرور مواكب الضيوف من الأمراء والرؤساء والسفراء.. وهكذا انطلق سعيد ومعه باقي الزملاء نحو مطار الدار البيضاء. بينما بقيت أنتظر بمعية خالي هشام بباب الفندق .. كنت أحاول الاتصال بصديقي مرارا فلا يجيب، حتى ساورتني الشكوك أمام توتر هشام وخوفه من إمكانية عدم وفائه والتزامه .. ولولا ثقتي بصديقي ويقيني بمعزتي لديه وتقديره واحترامه لي لكنا استأجرنا سيارة أجرة ولكانت لتكلفنا الكثير.. وانتظرنا قرابة الساعة ليصل عبد الواحد مذعورا غطى الغبار سيارته وهو يقول :
- اعتذر عن التأخير .. اضطررت للمرور بأحياء وأزقة لم أمر بها من قبل.. فأغلب شوارع البيضاء عليها حواجز..
وضعنا متاعنا في سيارته الصغيرة وجلست واضعا آلتي فوق حجري وانطلقنا نخيط احياء المدينة ونجوب أزقتها الضيقة ، تفاديا لشوارعها المغلقة ، حتى كدنا نتيه عن طريق المطار ولحسن حظنا كان عبد الواحد رصينا في سياقته، عارفا بشعاب الديناصور الاسمنتي وأزقته .. وكنت لا أزيح عيني عن الساعة بشاشة الهاتف، فقد داهمنا الوقت
كثيرا .. وتنفسنا الصعداء حين لاحت أمامنا لافتة تشير إلى اتجاه المطار عبر الطريق السيار .. ولم تمض سوى دقائق حتى كنا ببوابة الركوب .. أخذنا متاعنا وودعنا صديقنا وشكرناه، ثم دخلنا مسرعين لنلحق بزملائنا الذين خاضوا قبلنا نفس المغامرة، زيادة على قلقهم بسبب تأخرنا عنهم، لإدراكهم مدى صعوبة المسالك خصوصا في أوقات الذروة، والظرف الطارئ الذي تعيشه المدينة والمملكة ككل.. وبعد إجراءات التسجيل والجمرك وجدت نفسي أخيرا مستلقيا في مقعدي بالطائرة .. فوضعت وسادة تحت رأسي وأغمضت عيناي.. ثم أخذت نفسا عميقا في محاولة للاسترخاء وتجديد الطاقة وأنا أسمع خالي هشام يخاطب باقي الزملاء ممازحا :
- آي هاي هاي هاي … !! الحرب هاذي !!!!
(يتبع ..)