كتب: عبد الواحد الطالبي ـ
عشرة أيام لأواخر رمضان في مكة المكرمة، ألهمت الزميل عبد الواحد الطالبي لتوثيق مشاهدات عابرة في يوميات صادفته أثناء أداء مناسك العمرة هذا العام خلال الشهر الفضيل، ينقلها دون تكلف وبغير قصد من شأنه الإضرار بأي طرف أو المساس بأية مشاعر، فإنما على الله قصد السبيل في الإعراب عن خوالج الصدر من أحاسيس عب اليراع مداده من فيض غمرها فسال على صفحات يبثها موقعنا الإخباري على حلقات.
تجمع في مكة كل لون ولسن وتعددت الأجناس، غير أن المغاربة والجزائريين كأنهم جنس واحد وهم كذلك جمعتهم العروبة والدين والتاريخ والمصير المشترك وفرقتهم السياسة، ما يكاد المعتمر يبدو في زيه المغربي ويتحدث بلهجته ولكنته المغربية حتى يخاله غيره أنه جزائري.
الجزائريون قريبون من أشقائهم المغاربة ويصيرون أشد قربا حوالي المسجد الحرام، متماسكون متضامنون متحابون… لا ما يفرقهم في مجامع الود التي يأتلفون فيها داخل المسجد أو في المصليات وحيثما لاقتهم الصدف والظروف في أم القرى.
وكم يشعر المغربي والجزائري كلاهما بالشوق لعناق الإخوة الأشقاء وصلة الرحم وتجديد العهد ولتبادل الزيارات، وما يفتأ الأخ الجزائري حين يلاقي شقيقه المغربي يسهب في حديث الحنين والشوق لبلاد الجوار في الغرب وأهلها وفيهم خالاته وأخواله أو عماته أو أعمامه أوأصدقاء وجيران وذوو قربى حال بينه وبينهم غرور السياسة وأنانية الحكام…
“ما يجمع الجزائر والمغرب أكبر مما يفرقهما… والشعبان خاوة خاوة!”
كل أشقائنا تحدثوا عن علاقات البلدين بدون ذرة شك في كلامهم وبلا مراء، هم يحبوننا ونحن نحبهم وهم صادقون ومثلهم نحن مع ما ينتابنا من إحساس بالظلم من جهة بعضهم بخصوص وحدة المغرب الترابية وسيادته الوطنية على أقاليمه الجنوبية في الصحراء.
كانت أوقات ما بين الصلوات وفي أثناء الترويح في تلاوة القرءان الكريم وعلى موائد الرحمان، فرص عديدة للنقاش أجمع الحديث فيها أن الشعب الجزائري لا يشاطر حكامه مواقف معاداة المغرب ومناصبة قادة العسكر الشر للشعب المغربي وملكه، بل إنهم يعارضون مخططات التجزيئ والتفرقة التي ترعاها نخب سياسية جزائرية استنفذت جميع أرصدتها من شعارات الثورة الموروثة عن عهود بائدة ليست ذات وزن لدى شباب الجزائر وليس لها اعتبار في الشارع الجزائري المشدود كوتر الطبل نقرة فقط ويُدَوّي في وجه الطغمة الحاكمة يقرع مطالب الرحيل.
تفاجأت للعلم لدى أشقائنا من كل الذين التقيتهم في مصلى الصفوة وفي مطعم فندق دار الإيمان، بأوضاع المغرب وأحواله والخطوات التي يقطعها في مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبأدق تفاصيل تاريخه المعاصر وعهد الملك محمد السادس.
ولا تخفى عن أشقائنا ورطة بعض ضباط جيش بلاده وقادتهم في الحروب القذرة الدنيئة إلى جانب مرتزقة ضد القوات المغربية فوق ترابه بالصحراء، ويتخذون الفريق أول شنقريحة سخريةً في وقوعه بالأسر ويستهزئون من القلادات والنياشين على كتفه وفي صدره كالأراجوز الذي يشخص دور بطولة من ورق أو هو دونكيشوط الجيش الوطني الجزائري.
ليس ضمن كل من التقيتهم جزائري واحد يتبنى أطروحة طغمة الحكم في الجزائر المساندة للانفصال، بل يعتبرون جبهة بوليساريو ودعمها المادي والسياسي والدبلوماسي لعنة ووصمة وعبئا ثقيلا على الاقتصاد الذي ينوء تحت إكراهات أكبر لمطالب الشعب بتحسين ظروفه المعيشية وتحقيق نهضته ونهضة بلاده.
واستغرب جزائري من سعر صرف الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي بمبلغ 0.33 بما يمكن 100 درهم مغربي من 33 ريال سعودي والمغرب لا دولة نفطية وليست عائمة على حقول غاز يدر إنتاجه في خزينة الدولة مئات ملايير الدولارات، واندهش إذ علم أن الصرف لو تم محليا في بنوك المغرب لكان بسعر أفضل لفائدة الدرهم.
وتعجب أن تبيح الدولة المغربية لمواطنيها ما مقداره 10 آلاف يورو مبلغا سنويا من العملة الصعبة للتحويل لغرض السياحة في الخارج فيما يضطر السائح الجزائري للتهريب ولصرف العملة في السوق السوداء للمحدودية التي تفرضها الحكومة الجزائرية بقوة القانون على مواطنيها لتحويل الدينار الى العملة الصعبة من اجل السياحة والسفر الى الخارج.
وكان اللقاء ممتعا مع سيدة جزائرية وزوجها وهما من تلمسان في مطعم الفندق بالحديث عن الزي التقليدي وعن المطبخ، والمشترك في الثقافتين المغربية والجزائرية، وتحدثت بفخار عما يميز الغرب الإسلامي في البلدان المغاربية لاسيما الجزائر والمغرب وتونس ثقافيا وحضاريا عن بلدان الشرق الأوسط والخليج.
وتأسفت هذه السيدة التي يشي كل شيء فيها من حديث وملامح وقسمات ولهجة أنها مغربية من وجدة، لاستمرار غلق الحدود بين المغرب والجزائر والذي يكلف سكان المناطق المتجاورة على الشريط الحدودي للبلدين الجارين ظروفا صعبة شاقة قاهرة في العيش والتجارة والحياة خصوصا ان بعض الأهالي تجمعها روابط المصاهرة والقرابة العائلية التي باعدتها وثائق الجنسية تحت إكراه الأنانية المفرطة للساسة الذين لا هم يفكرون في تنمية هذه المناطق ولا في أوضاع سكانها تحت حصار الأسلاك الشائكة وفوهات البنادق المصوبة لصدور الأشقاء.
وافتخر شباب جزائريون يقيمون في فرنسا كانوا عائلة من شقيقين وزوجة وأمهما، فسحت لهم وسط الزحام وطوابير الانتظار، طاولة اقتعدتها مع أصدقاء سعوديين في احد مطاعم أبراج الساعة، بالنهضة الكروية الوطنية وبإنجاز المنتخب المغربي في مونديال قطر مبدين استعدادهم للسياحة بالمغرب قريبا.
وأقسمت الأم التي أنها تحب المغاربة وتكره حكام الجزائر الذين يحرمون الشعب الجزائري من إخوانهم في المغرب بالإمعان في استمرار غلق الحدود مشددة على ان ما أفراح المغاربة هي افراح الجزائريين وان ما يحزن الشعب المغربي يحزن به وله الجزائريون.
ولم تكن هذه الام لتحتاج لقسم وللحلف كي أصدقها ونحن في أطر بقعة من الأرض وأقرب إلى الله الذي يجمع عباده على الطهر والصفاء والنقاء والمحبة في بيته العتيق ويكونون في حرمه صادقين في ما يقولون وما يفعلون…
واني اليوم لواثق أن أننا والجزائريون إخوان ما أحواجنا لتجنب كل ما يعكر صفاء أخوتنا مما تبثه مواقع التواصل الاجتماعي وينشر على صفحات الضوء ويذيعه الإعلام المسموم أو تدنسه السياسة ويخبث به الساسة.
وما أحوج كما التقينا نحن أبناء الشعبين الجزائري والمغربي في مكة أن يلتقي قادة بلدينا في دعوة كريمة من أخيهما خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمير محمد بن سلمان على خير بقعة في الكون بمكة وفي صحن الكعبة ليتصافحا وليصفحا عما مضى مما لم يكن لا جلالمة الملك محمد السادس ولا الرئيس عبد المجيد تبون مسؤولين عنه في توتر العلاقات الثنائية.
وإن لنا لذكرى طيبة للقاء كان له ما بعده في تأسيس اتحاد المغرب العربي وفتح صفحة جديدة في العلاقات السياسية المغربية الجزائرية اثر المصافحة التاريخية بين الملك الراحل الحسن الثاني والرئيس الراحل الشاذلي بنجديد على سلم الكعبة بترتيب بروتوكولي سعودي مخدوم…
فعسى يبادر الملك سلمان بن عبد العزيز بخطوة مماثلة تنظر بعين الرحمة لشعبين جمعتهما الاخوة وفرقتهما السياسة.