الصديق العزيز القاص محمد أملو يصدر أضمومته القصصية الأولى موسومة بعنوان “المكان الأول”، وهي تضم بين دفتيها سبع قصص تتراوح بين القص القصير والقص الطويل، تحت العناوين التالية: أصوات البشير، الواقف، ملاحقة، اللعبة، الطريق، المكان الأول، الحريق. صدرت الأضمومة عن دار النشر “سليكي أخوين”، في طبعة أنيقة، من القطع المتوسط، في 179 صفحة.
ينتمي محمد أملو إلى جيل القصاصين التسعينيين، ففي أواخر الثمانينات نشر قصصه القصيرة الأولى (كائنات ليلية، الموعد، موسيقى) بالملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي، ثم انقطع عن النشر منذ ذلك الوقت، وإن كان مواظبا بروح طموحة على كتابة القصة. بالموزاة مع ذلك، حازت قصته “موسيقى” على جائزة الطلبة الباحثين بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط
يؤمن محمد أملو بمبدأ المجاهدة في القصة، فهو لا ينزع إلى استسهال الكتابة، أو استنساخ التجارب الجاهزة، أو استعجال النشر، وإنما يفرض على نفسه الاعتكاف في محراب القصة الواحدة شهورا أو أكثر، عاملا على إنضاج فكرتها، مقلبا النظر في مختلف وجوهها، ومعيدا الكتابة مرات عديدة حتى تستوي مثلما يتصورها. كثيرا ما لفت انتباهي في القصص التي كان يقدمها إلي لإبداء رأيي فيها، أنه كان يترك فراغات داخل بعض الجمل، لأنه لم يعثر بعد على الكلمة المناسبة، كما كان يسطر على كلمات معينة، لأنه يعتبرها كلمات مؤقتة ستخلي مكانها لأخرى أكثر منها قدرة على التعبير.
هذه الصرامة مع النفس، وهذا التطلب في كتابة القصة، هما ما يفسر تأخر محمد أملو كل هذا الوقت قبل أن يقدم على إخراج أضمومته الأولى إلى القراء. ولعل من أجلى مظاهر الصرامة والتطلب أنه لسنوات ظل يعلن لنا، نحن أصدقاءه، أنه سيصدر قصصه في كتاب، لكنه في اللحظة الأخيرة يخذل انتظارنا كعادته، بسبب أنه أعاد النظر في إحدى القصص فلم ترق إلى مستوى طموحه، فاستبعدها. من قبيل ذلك أنه لم يعد مقتنعا تماما بقصة “موسيقى”، رغم جودتها من زاوية نظر كتاب معتبرين، فحرمها من حظوة الحضور بين دفتي “المكان الأول”.
قراءتي لقصص الأضمومة القصصية الأولى لمحمد أملو تتيح لي القول بأنها تشكل إضافة نوعية للقصة المغربية، لأسباب متعددة، من بينها أنها، من جهة، تجازف بالخوض في موضوعات عادة ما يتهيب القصاص من مقاربتها، مثل الجنون والموت والسياسة وعالم الما وراء، وأنها من جهة أخرى، تختار الغوص إلى أعماق هذه الموضوعات، متوسلة بالتشريح النفسي للشخصية، وبالتخييل الذي يبلغ حدود الفانطاستيك، وبالحفر في الوقائع والمواقف إلى درجة أن تصير القصة طبقات بعضها فوق بعض، كاشفة عن تعقد وتشابك الظاهرة الإنسانية. ومن جهة ثالثة، فقصص أملو مختلفة من حيث لغتها وطريقة بنائها، فهو ينتقي الكلمات الأكثر دقة والأبلغ في التعبير والتصوير، من غير زيادة ولا نقصان، ومن غير انسياق وراء جمالية الشكل التي تواري ضحالة المحتوى وهزال المعنى، وهو يحرص بقوة على إجادة تحبيك قصصه، بحيث تتضافر عناصرها جميعا لإنتاج أثر كلي يتسلل بعمق إلى وعي القارئ ووجدانه، وبحيث تتراسل البداية مع الوسط والنهاية، فلا يكون ثمة منفذ لحشو أو ترهل، رغم أن عددا من قصصه يتخطى حدود القصة القصيرة بأميال، مذكرا إيانا بصنف من القصة يكتب في الغرب، بنفس طويل، مثلما هو الشأن بالنسبة لقصص أليس مونرو الحائزة على جائزة نوبل. وفضلا عن ذلك، فقصصه تشتغل ببراعة على النهاية، حيث يقودها إلى ذروة لم نتوقعها.
كتب ساحر القصة أحمد بوزفور معلقا على قصة “الواقف” لمحمد أملو المنشورة ب”بيت القصة” على الفايس: “قصة رائعة (…) وشكرا.. للكاتب الجميل الواقف.
وأنا أفهم ( الواقف ) هنا بالمعنى الذي أعطاه النِّفَّري للوقوف”. وكتب عدد من كتابنا تعليقات دالة إثر خبر صدور الأضمومة القصصية “المكان الأول”:
- ياسين عدنان: “سأسارع الى اقتناء نسختي. محمد أملو قاص متميز. وأنا مقتنع بموهبته منذ نص “موسيقى” البديع الذي قرأناه له في تسعينيات القرن الماضي”.
- عبد الوهام سمكان: “حين تسلمت نسخة من مجموعته القصصية “المكان الأول” قبل عدة أيام مضت قررت تصفحها وتأجيل قراءتها إلى ما بعد، لكنني وجدت نفسي مشدودا إلى القصة الأولى في المجموعة والتي تحمل عنوان “أصوات البشير”، وحين انتهيت من قراءتها (22 صفحة) وجدتني غير قادر على قراءة أي شيء آخر. لقد شعرت بالانبهار والدهشة وبسطوة غريبة تسيطر علي؛ وطيلة ثلاثة أيام متتالية بقيت أفكر في تلك القصة (في أصوات البشير، في السرد الممتع، في العوالم القاسية..)؛ إنها ببساطة واحدة من عيون القصة المغربية…”.
- أحمد الويزي: “اقتناع العزيز محمد أملو بإصدار مجموعته القصصية، يعتبر في حدّ ذاته حدثا ثقافيّا استثنائيا!
هنيئا له ولنا جميعا بهذا الإصدار الذي لن يكون سوى إضافة متميزة لربيرتوار القصة القصيرة المغربيّة!”. - لحسن باكور: “قراءة محمد أملو غوص في عوالم مثيرة حافلة بالمتعة الفنية والعمق الفكري الذي يكمن في خلفية نصوصه.. هذا الكلام استخلاص من قراءة متأنية لقصص الكتاب.. لقد أمتعتني واستفزتني لغتها الحادة الصافية وخياراتها الموضوعية التي تبحث دائما عن الصعب وغير المطروق وما يطرح تحديا حقيقيا للكاتب ( الموت، الجنون، الزمن..)…”.