ـ خلاصات “الدراسة الوطنية الميدانية حول الفساد بالمغرب” ـ
(كش بريس/ التحرير) ـ قال التقرير السنوي 2023، الذي أصدرته الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، إن التقرير السنوي للهيئة برسم سنة 2022 يأتي ليؤكد أن الوقاية من الفساد ومكافحته، أولوية وطنية أساسية لتحقيق التنمية المتينة والمُدمِجة، مشيرا إلى أن تحقيق هذا الأمر “يستلزم تغيير المقاربة، في اتجاه فعالية التكامل المؤسساتي المبني على مبدأ الالتقائية ومفصلية الأدوار والمسؤوليات للسلطات والهيئات والمؤسسات المعنية”.
وأوضح رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، محمد بشير الراشدي، خلال تقديم التقرير والتقارير الموضوعاتية المصاحبة برسم سنة 2022، وكذا خلاصات “الدراسة الوطنية الميدانية حول الفساد بالمغرب”، أن عمل الهيئة انطلق من التشخيص والتقييم الدقيق والموضوعي للسياسات المتبعة، مرورا بتعميق الدراسة والتحليل بخصوص الأوراش ذات الأولوية، وصولا إلى بلورة التوجيهات والتوصيات الهادفة، وذلك في إطار رؤية شمولية منسجمة وطموحة.
ويعد التقرير السنوي لسنة 2022، الأول من نوعه الذي تصدره الهيئة بعد دخول القانون رقم 46.19 المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها حيز التنفيذ إثر تعيين أعضاء مجلسها واستكمال هياكلها يوم 24 أكتوبر 2022.
وهمت التقارير الموضوعاتية المصاحبة للتقرير السنوي مواضيع: “تنازع المصالح، من أجل منظومة ناجعة للتأطير والمعالجة والضبط”، و”التحول الرقمي، ركيزة أساسية للوقاية من الفساد ومكافحته”، و”الصحافة الاستقصائية في المغرب، من أجل دور فاعل في مكافحة الفساد”، وهي مواضيع تم الاشتغال عليها من منطلق ارتباطها الوثيق بمجالات تدخل الهيئة، وتترجم المنظور الشمولي الذي تتبناه لإحداث تغيير في منحنى الفساد في اتجاه تنازلي.
وأكد الراشدي على أن اضطلاع الهيئة بمسؤولياتها الجوهرية في المنظومة الوطنية لمكافحة الفساد، يتطلب تعزيز دورها الاقتراحي والتوجيهي، مع تطوير الآليات والأطر المؤسساتية الضامنة للتفاعل الإيجابي والعملي مع توصياتها.
وأضاف أن الهيئة اعتمدت مقاربة تشاركية بالانفتاح على ممثلي مختلف الفاعلين في إنجازها لـ”الدراسة الوطنية الميدانية حول الفساد بالمغرب”، مشيرا إلى أن هذه المقاربة تم اتباعها طيلة مراحل انجاز الدراسة وكذا خلال مرحلة استخلاص الاستنتاجات.
وسجل أن هذا البحث الميداني عرف تجميع معطيات همت عينة تمثيلية شملت ما يناهز 5000 مواطن قاطن بالمغرب خلال الفترة الممتدة بين شهري أكتوبر ودجنبر 2022، إضافة إلى عينة همت المغاربة المقيمين بالخارج شملت 1000 مواطنا أثناء وجودهم بالمغرب خلال شهري يوليوز وغشت 2022.
وبخصوص البحث الميداني المتعلق بالمقاولات وحاملي المشاريع، أوضح الراشدي أنه تم إنجاز البحث خلال الفترة الممتدة ما بين 2 ماي و3 غشت 2023، وشمل عينة تتكون من 1100 مقاولة.
وتجدر الإشارة إلى أن التقرير السنوي للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها لسنة 2022، يتكون من خمسة أقسام تناولت، تشخيص وضعية الفساد، وتتبع تنفيذ وتنسيق وتقييم الاستراتيجيات والسياسات العمومية، والحكامة المؤسساتية للهيئة والشروع في تفعيل الاشتغال وإنتاج القرار الجماعي، والأنشطة الوظيفية للهيئة والنهوض بقدرات الدعم، وتوصيات ومقترحات الهيئة من أجل تجاوب فاعل في إطار الالتقائية والتكامل المؤسسي.
في سياق كتصل، أكد التقرير على أن مؤشر مدركات الفساد برسم سنة 2023 ظلت في حالة ركود، مشددا على أن الفساد في المغرب يتقاطع مع التراجعات المسجلة في مجال الحقوق السياسية والمدنية.
وأوضحت الهيئة أن منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط مازالت تنتظر مسارا طويلا لضمان النزاهة والعدالة في مختلف أنحاء المنطقة، وأن التحديات التي تواجهها منطقة إفريقيا فيما يتعلق بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والاستقرار السياسي، توفر أرضية مواتية لتفاقم الفساد. مشيرة إلى أن وضعية المغرب غير مرضية في مختلف المؤشرات والتقارير والأبحاث المتعلقة بالفساد، والتي لم تعرف تحسنا خلال العقدين اللذين غطتهما هذه المؤشرات، إذ تراجع المغرب بخمس نقاط خلال السنوات الخمس الأخيرة، واحتل الرتبة التاسعة على المستوى العربي، وتراجع ترتيبه بدرجتين على المستوى الإفريقي.
وأكد على أن هذه التراجعات تتقاطع مع ما خلصت إليه بعض المؤشرات غير المباشرة، التي أظهرت تراجع المغرب على مستوى مؤشر الفساد السياسي الذي يصدره مشروع أنماط الديمقراطية، وتراجعه على مستوى المؤشرين المتعلقين بتطبيق القانون والحكومة المنفتحة المتفرعين عن مؤشر سيادة القانون الذي يصدره مؤشر العدالة العالمي، وكذا تراجعه في المؤشرات الفرعية المتعلقة باستقلال القضاء وحرية الصحافة وبالخدمات والأنترنت، المنبثقة من مؤشر النزاهة العمومية الذي يصدره مركز الأبحاث الأوروبية لمكافحة الفساد وبناء الدولة.
كما أشار إلى الإشكالية التي سبق وتحدث عنها المجلس الأعلى للحسابات، والمتعلقة بمحدودية التوصل بطلبات في شأن القضايا ذات الصلة بالتأديب المتعلقة بالميزانية والشؤون المالية، من قبل السلطات المخول إليها إحالة القضايا على المحاكم.
وقال إن الفساد يحتل مرتبة متقدمة ضمن انشغالات المقاولات التي شملتها الدراسة، وأن الحصول على التراخيص والمأذونيات والرخص الاستثنائية، والصفقات والمشتريات العمومية، والتوظيف والتعيين والترقية في القطاع الخاص، تعد بالنسبة للمقاولات المجالات الأكثر تضررا من الفساد.
وسجل التقرير أن فعالية الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد تأثرت بمحدودية منظومة حكامتها، خاصة على مستوى الإشراف والتنسيق، ذلك أن الديناميكية التي ميزت سنة 2019، بعد تبني التوصيات التي تقدمت بها الهيئة في إطار تقريرها الأول لتقييم الاستراتيجية، سرعان ما عرفت فتورا ملحوظا، بما رسخ العودة إلى تغليب البعد القطاعي، الأمر الذي شكل عاملا أساسيا في غياب النتائج بالمستوى المتوخى من الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وبالتالي استمرار الوضع غير المرضي لتطور الفساد ببلادنا.