تساءلت مجلة “جون أفريك” الفرنسية، إن كانت احتياجات فرنسا في مجال التعاون الأمني ستتغلب على البرود الدبلوماسي بين الرباط وباريس، مؤكدة أن هذا على أية حال، هو ما توحي به الزيارة التي قام بها مدير الشرطة الوطنية الفرنسية، فريديريك فو، قبل ثلاثة أيام إلى المغرب، ولقائه بالمدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني المغربي، اللطيف حموشي.
تمحور اللقاء بحسب ما ورد في بلاغ للمديرية العامة للأمن الوطني، وزعته الوكالة المغربية للأنباء، حول مختلف القضايا الأمنية ذات الاهتمام المشترك، منها “تهريب المخدرات والمؤثرات العقلية، والهجرة غير النظامية، والتهديد الإرهابي، ومخاطر الجريمة السيبرانية والجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية”.
ولكن أيضا وقبل كل شيء حول “آليات تنفيذ العمليات المشتركة في إطار التعاون الثنائي”، ولا سيما أمن الألعاب الأولمبية التي ستقام في باريس الصيف المقبل في الفترة من 26 يوليو إلى 11 أغسطس عام 2024، حيث إن القضية الأمنية مترامية الأطراف لهذا الحدث الرياضي الدولي ما زالت بعيدة عن الاكتمال، قبل ثمانية أشهر من بدء هذه التظاهرة العالمية في العاصمة الفرنسية.
يتعين على اللجنة المنظمة الأولمبية والسلطات الفرنسية التعامل مع حفل افتتاح غير مسبوق ومعقد بشكل غير عادي، حيث يفترض أن يُقام العرض على نهر السين. ويشكل النقص الهيكلي في القوى العاملة بالمهن الأمنية الخاصة، تحديا كبيرا آخر للمنظمين. دون الحديث عن ذكرى أعمال الشغب التي وقعت في يونيو عام 2022 والحوادث الخطيرة التي شابت تنظيم مباراة نهائي دوري أبطال أوروبا بين ليفربول وريال مدريد في ملعب فرنسا في مايو عام 2022.
وأخيرا، فإن تجدد التهديد الإرهابي في فرنسا بسبب الوضع في الشرق الأوسط، يفسر الانتقال إلى مستوى “حالة طوارئ- هجوم” أي أعلى درجة التأهب لدى جهاز “فيجيبيرات” لمكافحة الإرهاب، كما توضح “جون أفريك”.
في هذا السياق، فإن خبرة عبد اللطيف حموشي، الذي يحظى بالتقدير والاعتراف على نطاق واسع من قبل مجتمع الاستخبارات الدولي، إلى حد إنشاء نوع من “القوة الناعمة” المغربية في مسائل مكافحة الإرهاب، هي موضع ترحيب كبير. وهو الذي أشرف، بناء على طلب أمير قطر تميم آل ثاني، على أمن بطولة كأس العالم الأخيرة التي نظمت في قطر نهاية عام 2022، تقول “جون أفريك”، معتبرة أنها تجربة ناجحة تجعل من الرجل الملقب بـ”الشرطي الخارق للملك محمد السادس” الشخص المثالي للتشاور لتعزيز أمن أولمبياد باريس.
وبحسب بلاغ صحافي رسمي للمديرية العامة المغربية للأمن الوطني، من المقرر أن يتوجه عبد اللطيف حموشي إلى فرنسا “قريبا بهدف تعزيز مجالات التعاون الأمني الثنائي وتنويع مستويات وأشكال هذا التعاون بما يخدم مصالح البلدين”.
وتساءلت “جون أفريك”: هل التاريخ يعيد نفسه؟”، مذكرة أن هذه المصالح الأمنية المشتركة هي التي مكّنت عام 2015، في عهد الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند، من نزع فتيل الأزمة بين المغرب وفرنسا التي أثارها قدوم ضباط من الشرطة الفرنسية في فبراير عام 2014 إلى مقر إقامة السفير المغربي في باريس، لإبلاغ حموشي آنذاك، باستدعائه من قبل قاضي التحقيق “للمدير العام لجهاز مكافحة التجسس” للاستماع إلى أقواله في قضية تعذيب.
ففي أعقاب هجمات المتجر اليهودي وباتاكلان في باريس نهاية عام 2015، وفي مواجهة تهديد إرهابي متزايد، انتهى الأمر بالسلطات الفرنسية إلى الاتصال بعبد اللطيف حموشي نفسه، الذي مكنت خبرته الاستخباراتية من تحديد مكان الرجل الذي كان آنذاك على رأس المطلوبين في فرنسا، وهو الجهادي عبد الحميد أباعود، محور هجمات 13 نوفمبر. وعلى الرغم من عدم تقديم أي اعتذار رسمي، فقد تم منح رئيس المخابرات المغربية وسام جوقة الشرف، مما ساعد على وضع حد للشجار، توضح “جون أفريك”.
وتقول “جون أفريك”: “في حين أن الصعوبات المتعلقة بالأمن الداخلي بلغت ذروتها مرة أخرى على الأراضي الفرنسية، يبدو أن باريس ترغب في الاستعانة مرة أخرى بمهارات عبد اللطيف حموشي وفريقه، الذين يمكنهم الاعتماد على الشبكة المهمة من الجالية المغربية في فرنسا”، مضيفة أنه إذا كان البلدان يعيشان واحدة من أطول وأعمق الأزمات في تاريخهما، خاصة منذ قضية ”بيغاسوس” عندما اتُهمت المملكة وقواتها الأمنية، وعلى رأسها عبد اللطيف حموشي، باستخدام برنامج تجسس إسرائيلي لمراقبة شخصيات فرنسية، بما في ذلك الرئيس إيمانويل ماكرون، فإن إلحاح الوضع يمكن أن يساعد في التغلب على الخلافات السياسية.
وتختم “جون أفريك” بمقولة الجنرال ديغول: “الدول ليس لديها أصدقاء، بل مصالح فقط”.
عن القدس العربي ـ