كتب: عبد الرحيم الضاقية ـ
عاود الكاتب والباحث د. حسن ازريزي إصراره على مواجهة الورقة البيضاء من أجل الكتابة لكن هذه المرة حمل إليها «موسم الوجع» ووجع الموسم بأكمله الذي يأبى الانتهاء في حكي جميل عن الحدود بين الألم والأمل . كانت تجربة الكاتب مع الكتابة مريرة منذ البداية حيث قادته الآلام الجسدية التي ألمت به وهو في حضرة ألإمبراطورية الكوفيدية أن يكتشف آلام أخرى في ذاته أخفاها توالي الأيام ورتابة الحياة . بعد تشخيص دائه الذي لا يختلف عن باقي أمراض الناس الذين كانوا من حوله في هذه الأقبية السحيقة، قدم له الطبيب هو وحده وصفة غريبة : فبدل أن يكتبها الطبيب كما جرت العادة ، أمره هو أن يكتب ! وبذلك أصيب بالذهول حينما وجد نفسه يكتب الوصفة بيديه المرتعشتين من شدة الألم . قال له الطبيب بكل ثقة : « اكتب يا سيدي .. اكتب ذكرياتك ، اكتب مواعيدك ويومياتك .. اكتب عن أي شيء وعن لا شيء ..» . انبرى الكاتب لهذه الحمية الفكرية والذهنية وغاص في صمته المريب يسود صفحات تستعصي عن الانتهاء ، لقد حدد له الطبيب حجرا من سبعة أيام فقرر أن يستسلم لخياله عبر تخصيص كل يوم لعشرية من حياته مستعيدا مواسم أخرى غير الوجع رسمت معالمها على جدران حمراء وبيضاء بأقلام كالإبر ترتق سراويل الحياة . لكن هذا الوجع اللعين لم يفارقه وقان يوقظه من أسفاره نحو الوراء ويقذف به إلى اللحظة الآنية المليئة بالوجع . إلا أن هذا الألم الذي يحس به كان عاما وموزعا على كل الناس مع فرق واحد هو أنه يتيح له هو الحفر في الذاكرة للوصول إلى فرشة مائية غنية تنضح بالشخوص والأحداث والوقائع بل تتسلل من داخلها زغاريد الفرح والأغاني الملتزمة في قاعة أكل ذات ليلة باردة.. إنها تغطي بردائها السميك مهرجان الأجساد العليلة المتراكمة على الأسرة والزفرات التي تأبى أن تصعد لتخلص الناس من ضيق مرير . كل هذا يتدحرج دحرجة الأسبوع الطبي الذي وصفه الطبيب في عزلة تامة عن العالم وعن الأحبة الذين يخاف عليهم الجميع من مشاركتهم في الموسم . غابت من الفضاءات الوجوه وغرقت في كمامات سميكة من الحزن الرهيب وبقيت منها فقط نظرات تفوح منها رائحة الخوف والحسرة والموت . إنها سبعة أيام بكل رمزيتها القدسية والوجدانية العميقة والتي اختار لها الكاتب كلمات مضيئة من تراث الغزالي ودرويش والغزالي …وختمها بطاغور .لتنتهي الرحلة الحزينة في المكان وتستمر في الوجدان والعواطف كي ترحل إلى هاوية الأحاسيس الرهيبة التي تقطع أوصال الذكريات .. لتوقظ الجرح وترحل إلى قاموس العذابات ..
إنها محاولة رصينة من كاتب رصين استطاع بريشته أن يوقف عقارب الساعة سبع مرات كي يمنحنا نصا مكثفا بلغة عربية باذخة استطاع من خلالها تصوير الذات من الداخل ويكلم الصمت الذي استبد بالجميع .وهو القادم من الأدب الانجليزي الذي يدرسه في كلية الآداب المحمدية لما يزيد عن ربع قرن ، كما أن للكاتب مؤلفات و ترجمات وروايات آخرها «سوف انتظرك على سفح الأمل ».