يكتبها: د محمد فخرالدين
2 ـ قمرية ـ
ولما بلغ الملك أرعد خبر بناء ذي يزن للمدينة في بلاده أرغى وأزبد وشخر ونخر ، وجمع وزراءه وقواده ، وكان في مجلسه حكيمان أحدهما يقال له سقرديوس والآخر سقرديس عرفا بالحيلة والدهاء ، وكانا موضع ثقة وتقدير من طرف الجميع..
فتقدم إليه سقرديس وقال له:
ـ مولاي ، لا قدره لنا على قتال ذي يزن والرأي أن نسعى إلى التخلص منه بالحيلة …
قال بعلبك :
ـ نعم الرأي رأيك.. ولكن كيف ..
قال الوزير :
ـ نستميله أولا بالتودد والمداهنة حتى إذا هدأت نفسه أرسلنا له الهدايا الثمينة وجارية من جوارينا بسم يكون سببا في هلاكه..
طلب بعلبك من سقرديس أن يجهز الجارية وسط تكتم شديد وسرية تامة..
قال الحكيم :
ـ سمعا وطاعة في الغد ستكون الهدايا في طريقها الى اليمن..
وأرسل في طلب الجارية التي كان اسمها قمرية وكانت ذات حسن وجمال فائق ، لكنها كانت أيضا ذات باع في الخداع، فحضرت في الحال وأخبرها بالمطلوب منها.. فأجابت بالقبول ..
وسلمها حق السم فغرسته في ضفيرتها فلم يظهر له أثر فتيقن من قدرتها على تحقيق المقصود..
وكان من جملة من حضر مجلس أرعد ورأى ما صار، وزير طيب يدعى بحر قفقان كان قد هاجر الى الحبشة ، وكان ذكيا فطنا محبا للخير وأهله، لذلك أشفق على ذي يزن من أن يموت غدرا، فأرسل مع خادمه الأمين رسالة يخبره فيها بكل ما جرى وكان من أمر قمرية ..
وصلت الهدايا الثمينة إلى اليمن من ملك الحبشة كعربون سلام وكانت قمرية من جملة الهدايا فتسلل حبها بلا استئذان إلى قلب ذي يزن ومال إليها كل الميل ..
ولما أبلغ وزيره يثرب أنه يريد أن يتزوج من قمرية طلب منه أن يتمهل قليلا خاصة وأنها مرسولة من خصمه الذي لا يمكن أن يضمر له إلا شرا..
وفي تلك الأثناء وصل رسول بحرقفقان وأخبره بما كان فتأكد من صدق كلام يثرب …
ثم استدعى ذي يزن قمرية وسألها عن المهمة التي جاءت من أجلها إلى اليمن، فخادعته بزخارف الأقوال وادعت أنها كانت في السعي في خلاصه من كيد خصومه..
فصدق ذي يزن قولها واعتقد أنها تقول الحقيقة فعقد العزم على الزواج منها، وكان ذلك ما حصل ، وتأكد حملها بعد أشهر قليلة ..
أما ما كان من أمر ملك الحبشة فلما استبطأ الأخبار أرسل يسأل قمرية فأكدت له أنها تتحين الفرصة للقضاء على ذي يزن..
وبعد مدة مرض ذي يزن مرضا شديدا وأحس بدبيب الموت في بدنه فجمع وزراءه وسألهم الاستقامة والمساواة بين الناس، وأن يجعلوا قمرية تتملك عليهم حتى تنجب فإن انجبت ولدا آل إليه الملك من بعد..
فعاهدوه على ذلك، ولم تمض إلا أيام حتى مات ولم يدر بسبب موته أحد إلا قمرية ..
ترقبوا ليلة الغد باقي الأحداث ـ