يكتبها: د محمد فخر الدين ـ
سقرديس وسقرديوس
واستمرت الحرب بين برنوخ وقمرية الذي أتعبها بسحره ، والذي أرسل عليها باب الظلمة وباب الخذلان حتى منعها من القعود والقيام، ولم تعد تستطيع الإمساك بلوح عيروض أواستعماله ..
فلما أعياها الحال أرسلت رسالة إلى سيف أرعد تشتكي من أعمال برنوخ السحرية وتعلمه بما جد من الأحوال ، وتطلب منه مساعدتها في الخلاص، وتريد منه أن يرسل الحكيمين سقرديس وسقرديوس لنصرتها من برنوخ ..
فلما وصلته رسالة قمرية قال للحكيمين:
ـ مرادي أن أرسلكم إلى قمرية لتزيلوا ما فعل بها برنوخ من المصائب والاذية ..
فأشارا عليه بضرورة أن يرافقهما إلى حمراء اليمن فرسان شجعان … لأنهما يخافان من سعدون الزنجي ، فهو فارس جبار لا يصطلي له بنار فقال :
ـ من تريدان من الفرسان ؟
ـ نريد فرسانا أشداء مثل المقدم مهوب سابك الثلاث ودمنهور ، وميمون الهجام ليقاتلوا سعدون الزنجي ويتغلبوا عليه والسلام ..
فأرسل في طلب دمنهور الوحش وسابك الثلاث كما أرسلهما إلى غابة الأسد في طلب ميمون الهجام ..
وكان فارسا ذا قوة، مفتول الزندين قوي الساعدين كأنه قلة من القلل أوقطعة فصلت من جبل..
فلما وصلا عنده أعطياه هدية سيف أرعد وأعلماه بالمطلوب منه فقبل في الحال ، وسار معهما إلى سيف أرعد ..
ولما حضر الفرسان آمر أرعد بمد السماط بمختلف أنواع الطعام وأكرمهم غاية الإكرام .
وفيما هم كذلك إذ وصل الثمانون ساحرا الذين كانوا يبحثون عن سيف بن ذي يزن وبرنوخ بعد أن أفلتا من قبضتهم،وكانوا بارعين في السحر والكهانة كالثعابين الرقطاء و كالحيات القرناء، وانضموا إليهم .. وبعد ذلك تجهز الجميع للمسير قاصدين مدينة حمراء اليمن ..
أما ما كان من أمر قمرية فقد جاهدت نفسها حتى أمسكت اللوح ونادت عيروض وسألته عن أخبار سيف فلم يستطع أن يقول لها شيئا خوفا من برنوخ ..
أما برنوخ وأفراح و سعدون فقد أبصروا جيوش سيف أرعد قادمة ، كما رأوا الفرسان الثلاث والحكيمين والثمانين ساحرا، وبدأت الحرب بين الفريقين بالأسحار مرة وبالسيف البتار مرة أخرى فاصطفت الصفوف، وترتبت المئات والألوف، إلى أن تضعضعت جيوش أفراح و سعدون وبرنوخ وأيقنوا بالضيق ..
لكن الله كبير ، فقد ظهرت عساكر وفرسان وهم في تهليل وتكبير .. كان في مقدمتهم سيف بن ذي يزن والملك أبي تاج ..
ونزل سيف إلى الميدان وصال وجال وطلب القتال فنزل إليه سابك الثلاث فصرح عليه صرخة دوى منها البر والهضاب ومد يديه إلى خناقه وقبض على أطواقه وعصر على أشداقه حتى كادت أن تطير أحداقه..
وقلعه من بحر سرجه ورماه إلى سعدون الذي شد منه الأكتاف، تم بارز دمنهور الوحش وشد سعدون كتافه وربطوه قرب صاحبه..
وبعد ذلك عرض سيف عليهما الإسلام فخرجا طوعا من الكفر إلى الإيمان ، وصار من أنصار سيف ونطقوا بشهادة الإسلام ..
وفي الصباح نزل ميمون الهجام إلى الميدان ومحل الضرب والطعان، ونزل سعدون الزنجي إليه وتعاركا من الصباح حتى المساء دون أن يتمكن أحدهما من صاحبه ،فقال لهم سيف :
ـ لا بد أن أنزل إليه في الغد إلى المدعو ميمون الهجام في مقام الصدام ، وأخطفه لكم من بحر سرجه كما يخطف الجارح الحمام ..وهذا ما وقع بالتمام ثم عرض عليه الإسلام، فأسلم وصار من أتباعه الكرام.
وجلس سيف بن ذي يزن بينهم وكأنه الأسد الضرغام بين السباع .
أما الحكيمان فقد لجئا إلى أبواب السحر ورموا ذلك على أصحاب سيف حتى شلوهم عن الحركة ، إلى أن تدخلت الحكيمة عاقلة وأبطلت السحر …
ثم هاجمت جيوش سيف بن ذي يزن عساكر الحكيمين سقرديس وسقرديوس وقضوا عليهم وشتتوهم في البراري والقفار، وهرب الحكيمان راجعين في اندحار، حتى وصلا وهم في حالة من الانكسار، عند سيف أرعد..