لاشك أن تدارك الدبلوماسية الإسبانية لأخطائها ومواقفها المعادية ضد المملكة المغربية تجاه وحدتها الترابية وسيادتها الوطنية بخصوص قضية الصحراء المغربية يعد تحولا كبيرا بالسياسة الخارجية الإسبانية.
إن الخطأ الدبلوماسي السابق الذي جرَّ إسبانيا إلى أزمة دبلوماسية خانقة، بينها وبين المغرب، في ظل استقبال هذه الأخيرة لابراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو، داخل أراضيها بذريعة أسباب صحية وإنسانية، أدى إلى تعليق جميع أنواع الشراكات الإستراتيجية بما فيها الدبلوماسية والأمنية بين البلدين.
إن الموقف التاريخي والدبلوماسي الجديد لإسبانيا يُثمن المبادرة الملكية المغربية لمقترح الحكم الذاتي على الصحراء المغربية، باعتباره الحل السياسي الوحيد والواقعي وذي المصداقية، والمُرحب به من العديد من الدول داخل أروقة الأمم المتحدة من أجل تسوية نهائية “لنزاع الصحراء المغربية” بما يُرضي جميع الأطراف.
كانت لهذا الموقف دلالات إيجابية من جهة تغير المواقف الدبلوماسية من جارة أوروبية كانت دائما تتسرع في اتخاذ قرارات أحادية الجانب تتنافى مع الدور الفعال للعمل الدبلوماسي، وأدبيات السياسة الخارجية الإسبانية، حيث إن تغير موقفها تجاه سيادة المغرب، من حيث الإشادة بالحكم الذاتي على أراضي الصحراء المغربية، يعد خيارًا استراتيجيا وسياديا من طرف إسبانيا، والذي جاء بعد عدة مشاورات حكومية تُوحي بمستقبل علاقات اقتصادية ودبلوماسية جديدة تخدم مصالح كلا البلدين.
إن اقتناع الخارجية الإسبانية في طبعتها الجديدة، بأن الحكومة المغربية كانت على صواب باعتبارها شريكا استراتيجيا، تجاريا وأمنيا مهما داخل منطقتي المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، يؤكد بأن موقف إسبانيا الجديد مبني على سياسة خارجية براغماتية، مفادها ضمان المغرب للتعاون المشترك لحماية حدودها البحرية من الهجرة غير الشرعية، وانتعاش معبرها الحدودي عبر مد التجارة البرية نحو أوروبا، كل هذه الالتزامات الدبلوماسية قدمت لاسبانيا الضمانات الكفيلة بالتزام المملكة المغربية بمبدأ التعاون وحسن الجوار، ورفضها لكل موقف أو قرار دبلوماسي أحادي الجانب يَمُس مصالحها الوحدوية والوطنية.
من المؤكد أن هذا الموقف له قراءته الجيوسياسية وتداعياته المحورية، المرتبطة بآخر المستجدات على الساحة الدولية، المتمثلة في الحرب الروسية على أوكرانيا؛ فتغير موقف إسبانيا الأخير، كان مبنيا على توقعات مسبقة متعلقة بقطاع الطاقة وحدوث أزمة النفط والغاز داخل أوروبا، بحكم نقص سيولة الإمدادات في حال تصعيد الجانب الروسي ضد الحلف الأمريكي والناتو، فالجانب الإسباني غير راض عن عدم ضمان الجزائر مدها بالغاز الكافي، والمتصل بخط أنابيب الغاز المغربي-الأوروبي المار عبر الأراضي المغربية، وذلك بسبب الصراع الإقليمي بين المغرب والجزائر.
ومع ذلك، فإن الضغوطات الكبيرة من طرف الاتحاد الأوروبي، ولاسيما اسبانيا، وأمريكا على الجانب الجزائري من أجل الوفاء بالتزاماتها تجاه تدفق إمدادات النفط والغاز الطبيعي لأوروبا لتلبية احتياجات دولها، وذلك لتعويض النقص الحاصل في النفط الروسي، هذا الضغط جاء بمثابة ضربة قوية للجزائر أولًا، وانتصارا إقليميًا للمغرب ثانيًا، حيث خسرت الجزائر حليفا استراتيجيا كروسيا من جهة، وواجهت ضغطا غربيا اضطراريا من جهة أخرى، نحو تشغيل أنابيب الخط المغربي للنفط الذي يقطع الأراضي المغربية بعدة كيلومترات، باعتباره أحد أهم الأنابيب النفطية المعتمد عليه في تزويد إسبانيا بالطاقة وأوروبا ككل.
وبالرغم من هذا التأييد الإسباني للحكم الذاتي على الصحراء، ستبقى مسألة استرجاع المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، من أولويات استكمال الوحدة الترابية للمملكة المغربية، بغض النظر عن ملف الصحراء الذي أصبح كاملا للحسم فيه دوليًا، وبناء عليه، فإن الخارجية المغربية ستواضب العمل على الموازنة الدبلوماسية للمطالبة باسترجاع المدينتين المحتلتين ضمن ميثاق الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي نصت على وثيقة دولية بعنوان (تصريح حول منح الاستقلال للدول والشعوب المستعمرة) الذي أصبح معروفا منذ ذلك الحين بالتصريح رقم 1514.
ختاما، إن تغيير إسبانيا موقفها تجاه ملف الصحراء المغربية، يُعد حلقة جديدة في العلاقات الدبلوماسية المغربية الإسبانية، التي طالها فترة من الجمود والتذبذبات الدبلوماسية أحادية الجانب، في حين إن استدراك إسبانيا خطأها واقتناعها بالسيادة الوحدوية للمملكة المغربية يُعتبر بحد ذاته نجاحًا كبيرا لخارجية حكومة سانشيز.
* كاتب رأي من أسرة كش بريس