أحدثت الصين في القرن الحادي والعشرين تحولا كبيرا في سياستها الاقتصادية والخارجية تجاه الدول العربية عموما، والإفريقية منها على وجه الخصوص، ونجحت في توسيع نطاق علاقاتها الدبلوماسية وتعاملاتها التجارية الخارجية مع الدول العربية مبتعدة عن فكرة التدخل في الشؤون الداخلية والإقليمية للدول العربية، في الوقت الذي تتضارب المواقف السياسية لهذه الدول والهيمنة الغربية، لزعزعة التعاون الصيني العربي المشترك.
وتعد الصين أحد أهم الشركاء الدوليين الفاعلين في المنطقة العربية إلى جانب أطراف دولية وإقليمية أخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، الاتحاد الأوروبي، تركيا وإيران، وهذا ما نوه إليه وزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال الاجتماع الأخير للقمة العربية التي انعقدت بالعاصمة السعودية الرياض، والذي أكد فيها على تعاظم الدور الذي تلعبه الصين في السنوات الأخيرة في مساعدة الدول العربية على فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي والاستثماري مع الصين المبني على أسس استراتيجية مشتركة تتعلق بمفهوم الربح للجميع “رابح -رابح”.
لذلك أبدت الدبلوماسية الصينية اهتماما كبيرا بتنويع شركائها الاقتصاديين والسياسيين، ونسج علاقات دبلوماسية مع الدول العربية في ضوء تقارب المصالح الاستراتيجية التي دأبت الصين على اتباعها في صناعة قراراتها الخارجية تجاه القضايا العربية والإسلامية، والذي يتضح بشكل جلي من خلال البيان المشترك الصادر عن الخارجية الصينية ونظرائها في جامعة الدول العربية بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ والذي دعا إلى الوقف الفوري والشامل لإطلاق النار والتأكيد على أن “حل الدولتين” أساس وواجب لأي تسوية مستقبلية تتعلق بمصير الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، كما حثت الدبلوماسية الصينية وجامعة الدول العربية على عقد مؤتمر دولي للسلام تشارك فيه الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة لتعزيز السلام وتوحيد وجهات النظر حول تنفيذ خطة “حل الدولتين” واستئناف الحوار السياسي بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لإنهاء الصراع القائم.
وفي ضوء ما سبق، يمكن القول أن هناك العديد من الاعتبارات السياسية والأبعاد الدبلوماسية الواعدة للخارجية الصينية لتوسيع نفوذ علاقاتها الخارجية مع دول الخليج العربي، ونسج علاقات ودية وتعاونية بين الدول العربية والإسلامية من أجل تحقيق أهدافها الاستراتيجية المنشودة وإنجاح مشروعها الاقتصادي التنموي “طريق الحرير الجديد (BRI)” والذي يعد مشروع تنموي اقتصادي يهدف إلى تحفيز الاستثمارات العربية والخليجية وتطوير قطاع البنية التحتية بعيدا عن فوضوية الغرب الذي يحاول باستمرار الاستحواذ على النصيب الأكبر من الاستثمارات الإقليمية على حساب فكرة حماية الأمن القومي لدول الخليج العربي، وقد نجحت الصين، على الرغم من التوترات الهيكلية والاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية، في استقطاب الاستثمارات العربية والخليجية نتيجة سياستها القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول، ومحاولة حل قضاياها بطرق سلمية وحضارية بعيدا عن منهج القوة وخلق الفوضى في المنطقة.
ولذلك، فإن الخارجية الصينية لديها قراءة سياسية ونهج جيواستراتيجي لتثبيت وتطوير ارتباطاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع الدول العربية والإسلامية بشكل عام، وتتمثل هذه الارتباطات بالتالي:
أولاً: مبدأ عدم التدخل في الشؤون والقضايا الداخلية للدول، وهو ما أعطى الدبلوماسية الصينية ميزة التفوق في بناء جسور الثقة مع الدول العربية وخاصة دول الخليج، حيث تسعى هذه الدول باستمرار تحقيق مصالحها التجارية وتنويع صادراتها الخارجية على نطاق واسع.
ثانياً: تعزيز التعاون الاستراتيجي بين الفاعلين العرب ونظرائهم الصينيين في توحيد الجهود لبناء الأمن والاستقرار في المحيط الإقليمي للدول العربية والإسلامية لاسيما في منطقة الخليج العربي.
ثالثاً: إضعاف الهيمنة الغربية والأمريكية على وجه الخصوص فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للدول العربية والإسلامية، وذلك عن طريق إنشاء شراكات سياسية واقتصادية قوية طويلة الأمد، يقودها التفاهم الاستراتيجي الاقتصادي والأمني المبني على أسس اتخاذ القرار السيادي المشترك بين الطرفين العربي والصيني.
رابعاً: تعزيز الجهود الدبلوماسية المشتركة بين الدول العربية والصين، الذي يعد من أهم المشاريع الاستراتيجية للتطوير المشترك للدبلوماسية الصينية على مستوى توطيد العلاقات الثنائية، كما نصت على ذلك أدبيات مشروع طريق الحرير الجديد الذي يهدف إلى تطوير التعاون المشترك بين الدول، على أساس مبدأ احترام السيادة الوطنية للدول العربية واستقلالها، واعتماد نموذج للنهج الاقتصادي المشترك مبني على مفهوم الربح للجانبين “رابح-رابح”.
وختاماً، يمكن القول أن الدبلوماسية الصينية أصبحت تشكل نموذجا مهما لتعزيز علاقات التعاون الاقتصادي والتجاري مع الدول العربية في المنطقة، وذلك لأن الدبلوماسية الصينية تعتمد في استراتيجيتها الخارجية على بناء تحالفات ومقاربات استراتيجية جديدة مع الدول الإسلامية بما فيها دول الخليج، وهي بعيدة كل البعد عن التدخلات الغربية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة العربية، وبالتالي فإن مبادرة طريق الحرير الجديد ستغير مسار المنطقة برمتها على العديد من المستويات بما في ذلك الاستقرار الأمني والسياسي.