د. جمال ايت لعضام : الموقف التونسي بين مجاملة الجزائر والخضوع للابتزاز
لم يكن في الحسبان، أن دولة تونس تخرج عن المألوف في قرار امتناعها عن التصويت، لصالح المملكة المغربية، تجاه قضيتها الوطنية والوحدوية في مسألة الصحراء المغربية ، داخل أروقة مجلس الأمن الدولي .
صحيح أن هذا الأخير دعا إلى إقرار تمديد عمل البعثة الأممية المينورسو لمدة عام كامل، إلى حدود أواخر أكتوبر من العام المقبل، مؤيدًا بذلك دعمها للمبعوث الجديد الخاص للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا ، وحثه على استكمال العملية السياسية في ظل مقاربة جديدة للقرارات الأممية الأخيرة، خلفا لـ كوهلر ، إلا أنه لم يكن متوقعًا أن الموقف التونسي بخصوص قرار مجلس الأمن الدولي 2602 حول نزاع الصحراء المفتعل، مُرفقا بصيغة اللا مألوف و الفجائي التصويت، سواء للخارجية المغربية و كذا بعض الدول العربية و الأفريقية، التي ألفت موقف تونس الكلاسيكي المُنحاز إلى دعم المسلسل التوافقي، و الحل السياسي العادل لقضية الصحراء المغربية، تحت إشراف الأمم المتحدة .
هذا الموقف التونسي المبهم و الغير المفهوم، أصبح محط تساؤل ونقاش ذي طابع سياسي و دبلوماسي في آن واحد، مما يثير بعض التساؤلات حول تغير قناعة الخارجية التونسية ودبلوماسيتها تجاه قضية الصحراء المغربية .
هل دبلوماسية تونس كانت واعية بامتناعها عن التصويت، جراء إرتباك دبلوماسي داخل مجلس الأمن الدولي. مقابل تمرير أجندات خارجية ؟! أم أن موقفها السياسي مشبع بالتردد، بين الرفض و القبول، إرضاءً لدولة الجوار. بذريعة إحترام مبدأ المساواة بين الدول المغاربية ؟!
ألم تكن هناك نفحات جزائرية سرية، و تشويش لجنرالات الجيش الجزائري، بدفع تونس للامتناع عن التصويت لصالح المغرب ؟!
كل هذه التساؤلات، تُقربنا من الفرضيات حول التدخل الجزائري في الشأن السياسي التونسي الداخلي، و توجيهه في أفق تبني الطرح الجزائري الرافض لمغربية الصحراء و عدم الاعتراف بقانونية سيادته الشرعية.
الضغط الجزائري على حكومة قيس سعيد كان سهلا في إعطاء حكومة تونس ضمانات واهية قصيرة المدى، بشأن إعادة هيكلة الأمن الحدودي لتونس من الجماعات الإرهابية المسلحة، وكذلك الحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي للبلاد. مقابل الرضوخ إلى أجندة الخارجية الجزائرية في حربها العدائية ضد مصالح المملكة، و خصوصًا ملف الصحراء المغربية .
لذا فإنه من البديهي أن يستمر و يَطُول هذا التشويش الدبلوماسي الخارجي الجزائري إلى ما وراء المحيط الإقليمي. إلى أن يصل لغرب أفريقيا ، تحريض جزائري و تزييف لحقائق، تضر كثيرا بدبلوماسية المغرب، على أنها دبلوماسية استغلال و وهم، لا دبلوماسية تعاون جنوب جنوب. ولا دبلوماسية دينية معتدلة.
هذا كله، من أجل إقناع المنتظم الإفريقي بوجود كيان وهمي ابن الجزائر المولود خارج الشرعية الدولية اسمه “البوليساريو” .
إن عقلية الحرب الباردة، التي مازالت الجزائر تتبناها في سياستها الخارجية و خطاباتها الدبلوماسية، أصبحت متجاوزة في أدبيات العمل الدبلوماسي في القرن الواحد والعشرين. لأن دبلوماسية الجزائر بَرهنت على فشلها السياسي الخارجي و الدبلوماسي في شتى المنتديات والمؤتمرات والندوات القارية والدولية، بترويج دائم لأطروحة البوليساريو و أسطورة الاستفتاء و تقرير المصير للشعب في الصحراء ، على عكس الاهتمام بالقضايا الدولية والإقليمية، كمحاربة الإرهاب الدولي، و الخروج من أزمة كورونا، و الاحتباس الحراري… إلخ، كباقي الدول ذات الاهتمام الدولي المشترك .
وأخيرًا، إن رفض تونس التصويت لصالح قرار مجلس الأمن الدولي، بخصوص تمديد العمل لبعثة المينورسو، يمكن قراءته في ظل اعتبارين أساسيين؛ التقارب الجزائري التونسي الأخير، الذي عقد في الأشهر الماضية، و الذي ترأسه وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة مع نظيره التونسي، حيث جاء بناءً على اتفاق ثنائي، حول خروج تونس من أزمتها السياسية الداخلية، بما فيها الأمنية و الاقتصادية. هذا من جهة ، وكذا قبولها بالانضمام إلى الطرح الروسي و الجنوب الأفريقي، الداعم للكيان الوهمي، و الموقف الجزائري من جهة أخرى .
إذن، التحرك الدبلوماسي الجزائري سيعصف بمشروع الدول المغاربية إلى أسوأ السيناريوهات، ألا وهو السيناريو السوري، و تأثيره على منطقة شمال إفريقيا ككل.