تتوجه الأنظار في المغرب نحو المشهد السياسي المقبل وما يحمله من تحديات كبيرة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، في ظل الظروف الدولية المتقلبة، تتجلى هذه التحديات في الأزمات السياسية والأمنية التي تعاني منها مناطق متعددة مثل الشرق الأوسط وإفريقيا والدول المجاورة، حيث تواجه هذه المناطق صعوبات أمنية وسياسية تهدد استقرارها وأمنها بشكل عام.
وفي أكتوبر المقبل، تستعد حكومة أخنوش المغربية لخوض غمار الولاية الانتدابية الثانية، وقد شهدت الولاية الأولى تراجعات سياسية ملحوظة، تزامنت مع ضعف تقييم أداء الحكومة في التعامل مع القضايا الاجتماعية والسياسية، بالإضافة إلى ملفات تنموية معقدة تتعلق بإدارة الحصيلة السياسية للحكومة.
وفي هذا السياق، يمكن استنتاج أولويات الولاية الثانية المتبقية لحكومة أخنوش، والتي تتمثل في إعادة توطيد دينامية سياسية جديدة تهدف إلى تحقيق توازن سياسي واجتماعي واقتصادي داخل المجتمع، كما تسعى الحكومة إلى توفير بيئة مناسبة لخلق فرص عمل جديدة تتناسب مع الشباب المؤهل والمتمرس، وذلك في إطار ما يُعرف بالدينامية المستدامة، هذه الدينامية تهدف إلى بناء مستقبل أفضل يلبي تطلعات المجتمع المغربي في جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
بناءً على ذلك، فإن هذا الدخول السياسي الجديد سيضع الحكومة أمام تحديات استراتيجية كبيرة تتعلق أولاً بمستقبل البلاد وتكيفها مع المتغيرات في السياسة الخارجية الدولية، وما يترتب على ذلك من تداعيات على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، خاصة على المستوى الإقليمي والمغربي بشكل خاص، وثانياً، يتعلق الأمر بتصورات المملكة المغربية الاستباقية تجاه الوضع المناخي والبيئي الراهن، مع إدراك أهمية تحديد أهداف استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار الفروقات المناخية، والتي تسهم في تحقيق العدالة البيئية وضمان استدامة السياسة المائية في البلاد، ثالثاً، يتطلب الأمر مواكبة المشاريع التنموية الكبرى التي أشار إليها عاهل البلاد، ملك المغرب، في خطاباته السابقة، والتي تؤكد على أن الحكومة المغربية تتحمل كامل الصلاحيات والمسؤوليات في تنفيذ ركائز ما يُعرف بالدولة الاجتماعية، مع التركيز على البعد الاجتماعي والتنموي المستدام لصالح الشعب المغربي، بالإضافة إلى توفير بيئة ملائمة للاستثمار لضمان الاستقرار الاقتصادي ومواجهة تداعيات أزمة البطالة ونقص فرص العمل للشباب المغربي.
في الوقت الذي تستعد فيه الحكومة المغربية لدخول ولايتها الثانية، يرى بعض الباحثين والخبراء في الشأن السياسي والحكومي أن حكومة أخنوش تفتقر إلى الضمانات أو الخطط السياسية الشاملة والاستباقية لمعالجة القضايا السياسية والاجتماعية العالقة، من بين هذه القضايا، مشروع المسطرة الجنائية المثير للجدل، وقانون التنظيمي للإضراب، بالإضافة إلى مشروع قانون الإصلاح العاجل لأنظمة التقاعد الذي يواجه خطر الانهيار المالي ويشكل تحدياً ملحاً للحكومة ووزرائها، كما أن ملف طلبة الجامعات وكليات الطب يعكس مستقبل القطاع الصحي في البلاد، خاصة مع تزايد هجرة الأطباء إلى الخارج نتيجة ضعف استجابة الحكومة لمتطلبات العاملين في قطاع الصحة، الذي يعد من أهم القطاعات الحيوية في المملكة.
علاوة على ذلك، تسعى النقابات العمالية المغربية إلى المطالبة برفع الأجور في مختلف القطاعات الحكومية والخاصة، بهدف تجاوز أزمة ارتفاع الأسعار ومواجهة تداعيات الغلاء التي تؤثر بشكل مباشر على الطبقة المتوسطة، مما يهدد التوازن الطبقي والاجتماعي في البلاد.
ختاماً، تشير جميع هذه العوامل والتحديات التي تواجه الحكومة الحالية إلى أن النسخة الثانية منها تحتاج إلى الكثير من التوضيحات والإنجازات لإقناع المجتمع المغربي بأهمية إعادة هيكلة القطاع الحكومي ضمن إطار مؤسساتي جاد ومتكامل يتيح التواصل الفعّال مع المواطنين، كما أوصت بذلك التوجيهات الملكية السابقة.