‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د سمير العريمي*: تداعيات الإعلان العام لنتائج منظومة الأداء الفردي والإجادة المؤسسية

لا أحد يشكك في الأهداف السامية النبيلة لمنظومة الأداء الفردي والإجادة المؤسسية المطبقة في مؤسساتنا الحكومية الخاصة بالجهاز الإداري للدولة وارتباطها بممكنات رؤية عمان 2040 والعمل على الارتقاء بالأداء الوظيفي لمنتسبي الوحدات الحكومية.

فلقد هدفت هذه المنظومة – كما أعلن منذ بدء تطبيقها – إلى إحداث نقلة نوعية في الأداء الحكومي عبر رفع أداء وإنتاج الموظفين عن طريق ربط الأداء بالحوافز المالية؛ بيد أن الإعلان العام لهذه النتائج والخاصة بسنة 2024م قبل عدة أسابيع أثار لدى البعض موجة من ردّات الفعل المغايرة بل والمعاكسة أحيانًا للجوانب الإيجابية المتوقعة؛ وأوجد على النقيض جوًّا عامًّا من الامتعاض والضيق والرفض بين شريحة ليست قليلة من الموظفين الأمر الذي يجب أن يتم تبيانه كي يكون الجميع على علم ودراية، فأنا هنا أنقل الصورة كما هي أو لأكون دقيقُا – كما رأيت وسمعت – من باب الأمانة، وعملا بباب التناصح آملًا أن تنقل للإدارات العليا في الوحدات الحكومية المختلفة، ومنها للمسؤولين في المنظومة؛ لتلافي الملاحظات والاستفادة منها في الأعوام القادمة إن شاء الله.

إنّ من أهم الملاحظات التي يمكن توضيحها في هذا السياق ما يلي :

1/ تصنيف الموظفين والنسب الخاصة بهذا التصنيف والآليات المتبعة في التصنيف كلها أمور غير واضحة لدى الكثير منهم بالقدر الكافي ولا يزال يشوبها الغموض والضبابية وعملت على إثارة بلبلة وإشكالات بينية وأثرت على الجو العام من العلاقات بين الزملاء من الموظفين، تلك العلاقات التي ينبغي في الأصل أن تكون من الإيجابية بمكان وتتحلى بروح الفريق وتعلي من قيم العمل الجماعي والتعاون في المؤسسة فأنْ يتم تصنيف (10%) فقط من الموظفين في فئة الامتياز مقابل نسبة (35%) في فئة المصنفين تحت تصنيف (جيد جدا) والباقي أي (55%) من الموظفين في فئة الحاصلين على تقدير (جيد) ليس منطقيا ولا واقعي – كما يرى البعض – بالنظر إلى حقيقة العمل الكادح المضني في كثير من دوائر وأقسام الوحدات الحكومية وبالتالي وجود موظفين كثر يستحقون التصنيف في فئة الامتياز ولكن النظام الحالي يجبر الرئيس المباشر على اختيار (10%) فقط من موظفيه ضمن هذه الفئة التي تحظى بالمكافأة المالية والممثل فقط بنصف راتب أساسي.

2/ تصنيف أو جعل نسبة ضئيلة في فئة الامتياز لا تزيد عن (10%) فقط من عدد موظفي كل مديرية أو دائرة أو قسم هي التي ستحظى بالمكافأة المالية المذكورة أعلاه من مجموع الموظفين العاملين فيها جعل التنافس بينهم على أشده والتطلع إلى أن يصنفوا في هذه الفئة دون سواها شغلهم الشاغل وهو يفسر حالة الحساسية الشديدة التي أعقبت ظهور النتائج من قبل البعض ممن كان يصنف نفسه في فئة الامتياز ثم فوجئ بأنه حاصل على التصنيف الأدنى علما بأن الجهات المختصة دأبت على التأكيد على أن هذه النسبة جاءت بناء على النظر لبرامج قياس الأداء الفردي المعتمدة والتي تنحصر عادة بزعمها (بين 3 إلى 5 %) من إجمالي الموظفين بحسب منحنيات الأداء الفردي التي تم اعتمادها.

3/ إسناد اختيار فئة الامتياز وما دونها في الأقسام إلى الرئيس المباشر وهو هنا رئيس القسم بعد أن كان المنحنى (Curve) هو الذي يصنف بعض الفئات في العام الفائت هذا الأمر أدى إلى يكون رؤساء الأقسام في مواجهة موظفيهم، وسبب حالة من الحرج الشديد والتوتر وأثر بالسلب على العلاقة بين الطرفين وخاصة أولئك الذين حصلوا على تصنيف (جيد) وكانوا يتوقعون التصنيف

الأعلى كما بدأت بعض أصابع الاتهام بالمحاباة والمحسوبية الخ توجه إلى رؤساء الأقسام ومن هو أعلى منهم في التصنيف الوظيفي في الوحدات الحكومية في اختيار الحاصلين على تقدير (امتياز). والحقيقة أن الرئيس المباشر ملزم حسب النظام الحالي باختيار (10%) فقط من موظفيه ضمن فئة الامتياز ولا يملك زيادة عددهم حتى وإن أراد ذلك وكان الأمر على أرض الواقع مغاير لهذه النسبة من وجهة نظره.

4/ الإعلان العام عن نتائج (إجادة) وتقارير كفاية الأداء الوظيفي وانتشار القائمة أو الكشف الخاص بكافة موظفي بعض الوحدات الحكومية وفيها تصنيف كل الموظفين وتداوله بين أيادي الجميع أدى إلى حالة من التوتر والضيق والرفض لمضمونه وخصوصا لدى الحاصلين على تقدير (جيد) فلئن كان بعضهم سيتفهم وضعه إن اطلع عليه بنفسه وتحت أي مبرر فإنّ إدراكه بأن نتيجته صارت معلومة من قبل باقي الموظفين خلق لديه إحساسًا بالحرج باعتبار أن خصوصيته تم اختراقها، وطبعا من أتاح هذه القائمة للاطلاع العام لم يقصد سوى إعلاء مبدأ (الشفافية) ووضوح النتائج للجميع قطعا لألسنة الشك والتجهيل.

5/ البعض من الموظفين يخشى منه إن يتأثر بما سبق فيظهر خفضًا في الأداء وإعلاء من مظاهر الاحتراق الوظيفي خاصة من كان ينتظر تصنيف (امتياز) أو ذلك الذي صُنّف ضمن الحاصلين على تصنيف (جيد) ويرى من قدراته ومؤهلاته وعطائه ما يصنفه (جيد جدا) على أقل تقدير إلم يكن (امتياز).

6/ هناك شعور لدى بعض الموظفين الحاصلين على (امتياز) المرة السابقة أي العام الفائت في تقرير كفاية الأداء الوظيفي ولم يحصلوا عليه العام الحالي أنه وفي ضوء كثرة الموظفين من زملائه في أقسام ودوائر الوحدة فإن فرصته في الحصول على (امتياز) مرة أخرى هدف صعب المنال؛ لأن رئيسه المباشر لن يفتح على نفسه أبواب العواصف بتصنيفه (ممتازًا) عامين متتالين حتى وإن استحق ذلك لتميزه عن زملائه وبالتالي يخشى على بعض هؤلاء أيضا من التأثر السلبي وانخفاض المعنويات وبالتالي عدم الإقبال على العمل بنفس الروح السابقة من العطاء والدافعية ما يسبب نقصا في الإنتاجية في المحصلة، وهنا أيضًا أدت (إجادة) إلى نتائج معاكسة لأهدافها النبيلة دون قصد.

7/ حالة الاستقطاب والإحباط التي شعر بها بعض الموظفين حيال نتائج تقارير كفاية الأداء الوظيفي يخشى أن تؤثر على أدائهم بشكل سلبي تعاطيا مع واجبات العمل بقدر غير معتاد من عدم الإقبال والتثبيط أو التأخر عن الدوام أو التغيب وأخذ الإجازات وبشكل قد يتعاظم ويؤثر على الناتج العام من العمل الوظيفي. ومن جديد وهنا أيضا قد توجه أصابع اللوم إلى المنظومة فيما حدث أو قد يحدث.

عليه وعطفًا على كل ما سبق أرى أن يصار إلى محاولة تلمس احتياجات الموظفين والاستماع إلى شكواهم مباشرة وعدم الاكتفاء بإحالتهم نحو رابط التظلمات من نتائج التقييم مراعاة لحالة الاستياء العام وخصوصًا لدى الحاصلين على تقدير (جيد) وكيلا يتفاقم هذا الوضع فيؤثر على جودة الأداء الوظيفي في الوحدات الحكومية المختلفة، كما نأمل أن تصل هذه الصورة الواقعية لما آلت إليه الأمور في كثير من المؤسسات الحكومية بعد تطبيق (إجادة) إلى الإدارات العليا فيها، كي تكون على علم ودراية بحالة الاستقطاب والشحن النفسي والإحباط التي تسببت بها نتائج تقارير كفاية الأداء الوظيفي الصادرة هذا العام وتداعياتها المذكورة أعلاه، لدى العديد من الموظفين خصوصًا في جزئية الإصرار على المساواة بين مديريات الوحدة الحكومية في نسب الحاصلين على معدل (امتياز) مع العلم أن بعض الدوائر والأقسام تضم أعدادًا أكبر من المتميزين مقارنة بدوائر وأقسام أخرى تضم عددًا أقل منهم بالنظر إلى اختلافها في القيمة النسبية لأعداد الموظفين فكيف يصار إلى المساواة بينها لاشك أن هذا يؤثر على أحقية عدد كبير في إدراجهم تحت تصنيف (ممتاز) وبالتالي حصولهم على المكافأة المادية المؤملة، وإني على يقين تام بأن القائمين على منظومة الأداء الفردي والإجادة المؤسسية لن يعدموا وسيلة يعالجون من خلالها النقاط التي سردتها أعلاه، وأنهم يملكون الخبرات الكافية والحنكة الإدارية للتعامل مع مقتضيات الوضع الراهن، والارتقاء به وتلافي سلبياته والإعلاء من شأن المنظومة وتجويدها بما يحقق الأهداف المرسومة ويسهم في تحقيق النظرة الإيجابية نحوها من قبل الجميع إن شاء الله.

*كاتب عماني

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button