أرادَ شرذمةٌ من الناس أن يُثبتوا في عُقول “الناشئةِ المَدرسيّةِ” أنّ العامّيّةَ لغتُهم الأمّ وأنّ العربيّةَ لغةٌ أجنبيّةٌ عنهم، وقد اجتَهَدوا في تثبيت الوَهْمِ وتمكينِه حَتّى صارَ اعتقاداً راسخاً، وصرتَ تَرى الطالبَ الجامعيَّ في فُصول الإجازةِ إذا خاطَبَك وَجَدَ مشقّةً كحَملِ الجبالِ، وهو يحاولُ الحديثَ بالعربيّة، أمّا إذا كاتبَكَ فإنّك لا تكاد تُصدِّقُ عينيْك مما تَراه من رُكامِ الأخطاءِ الإملائيةِ والنحويّة والتركيبيّة التي تُنسيكَ قَصدَ المتكلِّمِ وتَصْرِفُكَ إلى التصحيحِ
ولولا السياقُ لَما فُهمَ حرفٌ من هذا الهُراءِ.
هلْ أقول إنّ الطالبَ ضحيّةٌ؟ وأنا أعلم أنّ بعض الطُّلابِ ذكوراً وإناثاً متفوِّقونَ في موادِّ دراستهم ومتفوقونَ في لغاتِ التواصُل، كلّا، إنّ الطالبَ له الكفايةُ التامّةُ ليُصبحَ عالماً عارِفاً متكلِّماً مُحاضراً، أمّا الشرذمةُ القَليلونَ الذينَ ينعتونَ المَسألةَ بأنها “مُعضلةُ” تَحتاجُ إلى حُلول من قِبَل المؤسساتِ العُليا ومن قِبَل السياساتِ التعليميّةِ ومِن قِبَلِ أولي شَأن السياسَة اللغوية والمشهَد اللغوي بالبلَد، فإنّهم لم يَفعلوا شيئا سوى صَرفِ النظرِ عن المُعضِلَةِ نفسِها ونَفضِ اليَدِ عَنها للتهرُّبِ، ولِلَفْتِ الانتباه إلى غيرِها، لأنّهم هُم أنفُسُم جُزءٌ من تلك المُعضلةِ، فيَظلُّ الحالُ على ما كان عليه من إيهام المُجتَمَع بأنّ العربيّةَ لا تستقيمُ على لسانِ لأنّها ليستَ له لغةً أماً كالدّارجَة العامّيّة واللهجَةِ الشعبيّةِ بهُزالِها وضَحالتِها وإسفافِها، ألَسنا مسؤولينَ أيضاً أيّها السادةُ عن أحوالِ التَّردّي اللغويّ، أليس الطالبُ في حاجةٍ إلى توجيه وإرشادٍ وتصحيحٍ وقُدوةٍ دائمةٍ لكي يُنقَلَ من حالِ الأمّيّةِ اللغويةِ التي تُمثِّلُها الدّارجَةُ إلى حالِ العلم والمعرفَة التي تُمثِّلُها اللغَةُ الرسميّةُ. ولعلّ قائلاً يَقولُ إنّ الطالبَ يُستقْبَلُ في الجامعةِ على هذه الحالِ من المراحلِ التعليميّةِ السابقَةِ فاقدَ الفصاحةِ مُتمرِّناً على الدّارِجَةِ ذَرِبَ اللسانِ على العامّيّةِ، فماذا تعتبُ عليْه أو على مَن سيتولَّى أمرَ تعليمِه؟
والجواب أنّ كلَّ من كُلِّفَ بتعليمِ الطالبِ، يُصبحُ مَسؤولاً عنه بقدرِ المُدّةِ الزمنيّةِ التي يقضيها معه من غير إلقاء التبعةِ على مراحلِ التعليم السابقة…
لا ننسَ المذهبيّةَ (الإيديولوجيا) التي تدفعُ أصحابَها إلى تثبيتِ وهمِ “العامّيّةِ الأمّ” في عُقولِ الشبابِ، وأنّ العربيّةَ ليسَت لهم بأبٍ ولا أمٍّ، فابتعَدَ الشبابُ عن العربيّة وابتعَدوا عن كلِّ ثقافةٍ كُتِبَت بها أو نَزَلَت بها، وأصبَحوا غُرَباءَ عن ثقافتهم الأمّ ولغتهم الأمّ.