سؤال الشعر والتاريخ طرح منذ القديم ، وقد ميز أرسطو في فن الشعر بين التاريخ والشعر الملحمي ، معتبرا أن التاريخ هو حكاية أمر مضى ، في حين أن الشعر هو تشوف لما يمكن ان يحدث، وقد اعتبر الشعر ارقى من التاريخ ، لأنه يهتم بالكلي في حين يهتم التاريخ بالخزئي، وبذلك انتصر أرسطو للشعر ضد معلمه الذي طرد الشعراء من المدينة القاضلة، لكن واقع الحال أن الشعر والتاريخ كانا متلازمين في الأزمنة البدئية. فاذا ما نظرنا إلى الأسطورة نجد أنها كانت تحتوي على التاريخ وعلى بذور من حقيقة تاريخية تملأ الاسطورة بياض الاحداث بالخيال ، ومن هذه النقطة نجد أن الرابط الذي يربط الشعر والتاريخ هو الخيال ، في البدء ، لقد تسلل التاريخ للشعر ،وتسرب الشعر للتاريخ ، فهناك حاجة حينما يستجلب القول الشعري الحدث التاريخي ، وأيضا حين يتقمص المؤرخ لغة الشعر، في سياق هذه العلاقة الملتبسة بين التاريخ الذي هو بدوره عرف تحولات من نسق تقليدي يرتبط بالسياسي وبالرسمي ، وبسير العظماء ، إلى نسق آخر يهدف إلى التأريخ من أسفل ، والإنصات إلى الإنسان العادي والحياة اليومية والثقافة الشعبية ، هذه التحولات فرضت على الشعر أن يحدد مواقع للتعامل مع هذه التحولات ، في هذا الاطار اشتغلت على نص نادر ، للكفيف الزرهوني ، كتب باللغة الدارجة في الزمن المريني ، هو ملعبته، التي أشار اليها ابن خلدون في المقدمة وكان يحفظ جزءا كبيرا منها، تحدث فيها الكفيف على النكبة الكبرى التي لحقت بالسلطان أبي الحسن المريني ، حين هزم في تونس من قبل الأعراب، وقد فصل الكفيف في هذه التراجيديا ، ووقف على أسباب الهزيمة التي تشكلت في الخيانة والغدر، والممانعة في تحقيق وحدة بلاد المغرب الكبير آنذاك، نكبة حقيقية وتراجيديا مؤلمة ، انتهت بهزيمة جيش كبير ، تاه اغلبه في الصحراء ، ومن نجا وتمكن من ركوب سفن الأسطول، سيبتلعهم البحر عن آخرهم. ، وسيكون السلطان من الناجين، لكنها نجاة ستسلمه للموت طريدا في جبل درن قرب مراكش، حقيقة هذه المأساة أنقذها الشاعر الضرير ، عبر نص ملحمي فيه الكثير من الابداع ، وفيه شبه مع الالياذة والاوديسة لهوميروس، كلا الشاعرين كفيف، لا تعرف حياتهما، فقد أغفلتهم كتب التراجم، موضوعة النصين هي الحرب، والهزيمة، اوديسيوس تاه في البحر وعاد إلى ايتاكا منهكا شريدا ، دخلها مثل شحاذ لم يتعرف عليه سوى كلبه. أبو الحسن المريني ، تاه جيشه في صحراء قاتلة، وغرق أسطوله عن آخره في طريق العودة، دخل المغرب شريدا طريدا، مات بعد أن وجد ابنه أبا عنان وقد استولى على الحكم ، وهكذا يسدل الستار عن قصة تراجيدية من تاريخ المغرب في زمن المرينيين.
*ملخص المداخلة التي شارك بها الكاتب في الدورة الأكاديمية “الشعر والتاريخ” التي نظمها بيت الشعر وكلية الاداتب والعلوم الانسانية وجماعة فاس أيام 1و2 مارس 2023