أخيراً وليس آخراً، اعترفت فرنسا بمغربية الصحراء. اعتراف سيكون له ما بعده. إنه موقف غير مسبوق، قاصم لأطروحة الانفصال الزائفة، الكاذبة، والباطلة. فرنسا كانت منذ الأول عالمة بحق المغرب في صحرائه، شاهدة على الحقيقة التاريخية، وظلت ساكتة عليها طوال هذه العقود. في الوثائق التي سلَّمتْها لأرشيف المغرب دليل آخر على أن “الخطيئة الأصلية” تمَّت تحت جنح الاستعمار. لكن الاعتراف تكفير عن الخطيئة. سبق للباحث الجيلالي العدناني أن أماط اللثام عن بعض من هذه الوثائق في كتابه الذي يحمل عنوان.Le Sahara à l’épreuve de la colonisation, 2014
لم تكن مصالح الاستعمار مضمونة، ولا محفوظة في شروط الامتداد الامبراطوري القديم للمغرب جنوب صحرائه. ومن ثمة فإن الاستراتيجية الكولونيالية كانت تقتضي ليس فقط بتْر الصحراء من تراب المغرب، بل فصله بالكامل عن عمقه الجنوبي، وجزِّ جذوره الإفريقية. اليوم وقد حصْحَصَ الحق، فإن الأوان قد آن لاجتراح استراتيجية جديدة تطوي، بصفة نهائية، الصفحة العقيمة، الوبيلة، والمعطلة للتنمية في المنطقة. استراتيجية تقوم على اليد المفتوحة، سياسياً، واقتصادياً، واستراتيجياً. اليد الاقتصادية هي عنوان المرحلة، ليس فقط لأن الاقتصاد يظل هو المحدد، في آخر التحليل، للسياسة ولغيرها من المحددات، بل أيضاً لأن في جلب المنفعة درءٌ للمفسدة، و كشفٌ عن القلب السليم. للمغرب، اليوم أكثر من أي وقت مضى، أوراق اقتصادية ذات مصداقية. المشاريع الاقتصادية التي صيغت مؤخراً، على المستوى الإفريقي والأطلسي، فيها من وفورات الحجم ما من شأنه أن يشمل، من حيث المصالح، كثيراً من دول الجنوب، وعلى رأسها بلدان المغرب العربي. صياغة “سياسة عملية”، بالمعنى الخلدوني، ل”شراكة اقتصادية مغاربية” حقيقية، واقعية، مُجْزِية من حيث الفوائد المشتركة، ومفتوحة على المستقبل، هي ما تستوجبه شروط “التغيير بعد التدبير” لعملية استرجاع السيادة الوطنية على الصحراء. لكل شيء أوانه، وهذا أوان المرافعة، بحجة العقل الاقتصادي، وبلغة المكاسب الملموسة، حول بناء المغرب العربي لا باللعبة الصفرية، والتكرارية ل”معضلة السجين”، التي سادت إلى الآن، بل بالتعاون، والتكامل، والتشارك، واقتسام الخيرات.