ـ بفعل ازدواجية المرجعية الرسمية من خلال التشريعات والسياسات العمومية ـ
رغم توفر المغرب منذ 2011 على إطار دستوري يعتمد في مرجعيته على المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب وجعلها تسمو على التشريعات الوطنية وكافل لمبدأ المساواة بين النساء والرجال في كافة الحقوق، فإن الخلفية التي تنهل منها التشريعات الوطنية (القانون الجنائي، قانون الأسرة، القانون 103-13 …) مازالت تكرس التمييز وتتخبط في ازدواجية المرجعية وما يترتب عنه من فتح مجالات التأويل التي تعتبر عائقا أمام تحقيق المساواة بين النساء والرجال كما نص عليها الفصل 19 من الدستور.
وكان لتفشي جائحة كوفيد 19 آثارا صعبة على كافة أفراد المجتمع طالت جميع المناحي، بحيث تجاوزت العواقب الصحية المباشرة إلى أخرى اقتصادية واجتماعية. وكانت النساء الأكثر تضررا بحيث تعرضن لمختلف مظاهر العنف والتمييز خلال فترة الحجر والطوارئ الصحية، وعمقت الجائحة من الفقر والهشاشة الاقتصادية والاجتماعية في صفوف مختلف شرائحهن.
وعرفت بلادنا سنة 2021 إجراء الاستحقاقات الانتخابية التي تميزت بتقدم طفيف على مستوى المشاركة السياسية للنساء، إلا أنه خلف الموعد من جديد مع المناصفة الدستورية بسبب التوافقات الحزبية والسياسية التي همّشت النساء في المفاوضات وفي القوانين المؤطّرة للانتخابات وفي مواقع المسؤولية. وتميّزت نفس السنة بصدور تقرير النموذج التنموي الذي قدم عدّة نقط إيجابية فيما يتعلق بالإدماج الاقتصادي للنساء والرفع من النشاط الاقتصادي لهن في حدود 45% في أفق 2035، وتأكيده على عدم التسامح مع العنف ضد النساء والفتيات واقتراحه إجراء تعديلات قانونية بشأن تزويج الطفلات. وعلى الحق المتساوي للوالدين في الولاية على أطفالهما، والتوصية بإعادة طرح مسألة الإيقاف الطبي للحمل على النقاش العمومي بناء على تقرير اللجنة المكلفة سابقا من قبل ملك البلاد، وكذلك إثارة الحقوق والحريات الجماعية والفردية.
كما أن تقرير النموذج التنموي بالرغم من إقراره بالمناصفة والمساواة بين النساء والرجال باعتبارها بعدا عرضانيا في كل القضايا الاجتماعية والتنموية، لم يتم استحضارها عند تقديم التوصيات والأهداف سوى فيما يتعلق بتوسيع مشاركة النساء في النشاط الاقتصادي لرفعه من 22% إلى 45% في أفق سنة 2035. وحافظ على منطق الحلول التوافقية مكرسا نهج الازدواجية في المرجعية عندما يتعلق الأمر بإقرار الحقوق الإنسانية للنساء.
بناء على ما سبق أعلاه، ركزت في هذا المقال على تشخيص وتحليل وضعية حقوق النساء انطلاقا من رصد مدى التقدم الحاصل، مع تناول المجالات التشريعية والمؤسساتية والممارسات على المستوى الواقعي من جهة، والثغرات والتحديات التي مازالت تعوق مسار إقرار المساواة الفعلية بين النساء والرجال من جهة أخرى. لاسيما استمرار ازدواجية المرجعية على المستوى الرسمي عندما يتعلق الأمر بالتعاطي مع قضايا حقوق النساء.
أوّلا: العنف المبني على النوع وضعف آليات الحماية وغياب الالتزام بمبدأ العناية الواجبة
يعتبر العنف ضد النساء من أبرز مظاهر الحيف والتمييز المبني على النوع الممارس ضد النساء، حيث تفيد الأرقام الصادرة في دجنبر 2019 عن المندوبية السامية للتخطيط بتعرض 7,6 مليون من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 15 و74 سنة للعنف، وهو ما يجعل نسبة انتشار العنف ضد النساء تبلغ 57% من مجموع الساكنة النسوية.
تعاني 6,1 مليون امرأة من العنف المنزلي الذي ارتفع بنقطة واحدة مقارنة مع سنة 2009 حيث بلغت نسبة انتشاره 52%. وأن “معدل انتشار العنف في الفضاء الزوجي بلغ 46 ٪. كما أن العنف المبني على النوع لا يقتصر على الفضاء الخاص بل تعداه إلى الفضاء الرقمي حيث شكّل العنف الإلكتروني نسبة انتشار تبلغ 14 ٪ أي ما يقارب 1,5 مليون امرأة.
كما أوضحت ذات الأرقام ارتفاع نسبة العنف الاقتصادي بسبع نقاط حيث أصبح يشكل نسبة 15%، والعنف الجنسي بخمس نقاط حيث انتقل من 9 ٪ إلى 14 ٪ مابين سنة 2009 و2019.
كما تبين الإحصائيات أن تكلفة العنف ضد النساء والفتيات تبقى باهضة حيث بلغت تكلفة العنف الجسدي والجنسي للأسر 2.85 مليار درهم، والعنف الزوجي 1.98 مليار، أما النفقات المتعلقة بالصحّة فشكلت 42.3% من التكلفة المباشرة للعنف أي 986 مليون درهم.
يعتبر ضعف التبليغ عن العنف الممارس ضد النساء من بين الإشكالات في مجال مناهضته حيث تبين نفس الإحصائيات أن فقط 10,5٪ من ضحايا العنف قمن بتقديم شكاية إلى الشرطة أو إلى سلطات مختصة أخرى مقابل 3٪ سنة 2009. وذلك راجع لتطبيع المجتمع مع العنف الممارس ضد النساء بفعل تغلغل الفكر الذكوري وفشل قنوات التنشئة الاجتماعية في مناهضته.
كما فاقمت جائحة كوفيد 19 من العنف الممارس ضد النساء بسبب ظروف الحجر والطوارئ الصحية، وبفعل الضغوط الاقتصادية والنفسية التي طبعت تلك الفترة مما جعل العنف المبني على النوع أكثر وقعا على النساء والفتيات. خاصة منهن العاملات في القطاع غير المهيكل المعيلات للأسر واللواتي فقدن مورد رزقهن، مما ضاعف من وثيرة العنف الممارس ضدهن. وهذا ما جعل العنف المبني على النوع يعرف ارتفاعا خلال فترة الحجر وحالة الطوارئ الصحية بنسبة بلغت 31.6% بالمقارنة مع نفس الفترة من سنة 2019.
كما تعاني النساء ضحايا العنف من ضعف أو غياب بعض خدمات التكفل وخاصة فيما يتعلق بمراكز الإيواء المتخصصة وذات طابع القرب وكذا خدمات المساعدة والدعم النفسي والقانوني والصحي والولوج للعدالة والتي أبانت الظروف المرتبطة بجائحة كوفيد 19 عن محدوديتها بل وحتى غيابها كلما ابتعدنا عن الحواضر الكبيرة.
على مستوى الإطار التشريعي يعتبر القانون 103-13 بشأن العنف ضد المرأة مكسبا وإطارا قانونيا مهما وإيجابيا في مسار إقرار الحقوق الإنسانية للنساء ومناهضة العنف والتمييز ضدهن. كما خصص آليات للتكفل بالنساء ضحايا العنف، حيث تم فصلها عن خلايا الأطفال، كما وضع لجانا مشتركة بين القطاعات المتدخلة في المجال، مهمتها الاستقبال والاستماع والدعم والتوجيه والمرافقة للنساء ضحايا العنف والناجيات منه (المادة 10)، تحت إشراف النيابة العامة وانخراطها الفعلي في محاربة العنف ضد النساء من خلال الدوريات التي تصدرها وتفعيل البروتكول الترابي المنبثق عن اعلان مراكش 2020.
وعلى الرغم من الإيجابيات العديدة التي تضمنها، فإن القانون 103-13 ظل عاجزا عن ضمان الحماية للنساء الضحايا والناجيات من العنف، بحيث لم يجرم العديد من أفعال العنف (الاغتصاب الزوجي، العنف السياسي…) ولا ينبني على فلسفة العناية الواجبة للدولة تجاه الضحايا والناجيات، كما أن التدابير الحمائية الواردة فيه تظل محدودة الفعالية في غياب آليات التفعيل وتركيزه على الجانب الزجري وتغييبه للبعد الوقائي والاستباقي وعدم إدماجه في إصلاح تشريعي يشمل القانون الجنائي والمسطرة الجنائية.
رغم الجهود المبذولة فإن نتائج مناهضة العنف ضد النساء تبقى محدودة، فيما يخص الخطتين الحكوميتين للمساواة “إكرام 1” و”اكرام 2″، تمّت أجرأة جزء يسير من الالتزامات التي تعهدت بها القطاعات الحكومية في مجال مناهضة العنف ضد النساء لعدة أسباب من بينها: غياب المقاربة التشاركية بين جميع الأطراف قصد تعبئة المجتمع لمحاربة ظاهرة العنف ضد النساء وتشتيت الجهود نتيجة كثرة البرامج والأنشطة غير المرتبطة ببعضها وضعف الالتقائية وعدم انخراط القطاعات المعنية للمساهمة في تفعيلها وغياب آليات تتبع حقيقية. بالإضافة إلى فشل الوزارة المعنية في لعب دور الريادة والتنسيق في هذا المجال، وتكفي الإشارة الى أن الدعم المالي المقدم من طرف الاتحاد الأروبي لخطة إكرام 1 لم يستهلك إلا في حدود 48 % إلى غاية نهاية 2016. أمّا الاستراتيجية الوطنية لمحاربة العنف ضد النساء 2019-2030 فتفتقر لآليات تنزيلها على أرض الواقع ولاسيما الميزانيات الكفيلة والمستديمة لذلك.
لذلك وجب: تفعيل مبدأ “العناية الواجبة للدولة” للقضاء على العنف ضد النساء من خلال تجويد وتفعيل مقتضيات القانون 103-13 بشأن العنف ضد المرأة سيما التدابير الحمائية في أفق إقرار قانون إطار شامل لمناهضة العنف ضد النساء ينهل من المعايير الدولية والمتمثلة في الوقاية، الحماية، التجريم والزجر، وجبر ضرر الضحايا وإدماجهن؛
توفير مراكز الإيواء المتخصصة وذات طابع القرب تقدم خدمات متكاملة تهدف إلى التمكين السوسيواقتصادي النساء؛
سن وتفعيل السياسات العمومية وتنسيق التدخلات والاستراتيجيات القطاعية الحكومية مع توفير الآليات والميزانيات الكفيلة من أجل توحيد إجابة الدولة في مجال محاربة العنف ضد النساء والتكفل بالضحايا والناجيات منه؛
العمل على الرفع من الوعي المجتمعي بمخاطر وتداعيات العنف والتمييز اتجاه النساء وذلك عبر تعزيز دور الإعلام وكافة قنوات التنشئة الاجتماعية في مناهضة العنف والتمييز ضد النساء.
( …يتبع)
* سناء زعيمي، باحثة وناشطة حقوقية
حاصلة على دكتوراه في الآداب، تخصص الجغرافيا البشرية والتهيئة المجالية، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن زهر ـ أكادير ـ المغرب.
- التجربة المهنية:
2011-2013: أستاذة التعليم الثانوي التأهيلي- المديرية الإقليمية الحوز/أمزميز
2013- إلى الآن: أستاذة التعليم الثانوي التأهيلي- المديرية الإقليمية المنارة/مراكش
2013- إلى الآن: منسقة الحياة المدرسية بالثانوية التأهيلية الكتبية ـ مراكش
2019 ـ إلى2021: منسقة مشروع APT2C بالثانوية التأهيلية الكتبية ـ مراكش
2015 ـ إلى الآن: عضوة القطب الجهوي للفاعلين من أجل المساواة بمراكش
2019 ـ إلى 2021: عضوة الهيأة الاستشارية للمساواة ومقاربة النوع بمجلس جهة مراكش ـ آسفي
2018 ـ إلى الآن: رئيسة فدرالية رابطة حقوق النساء بجهة مراكش آسفي
2021 ـ إلى الآن: عضوة المكتب الوطني فدرالية رابطة حقوق النساء بالمغرب
- الأبحاث والدراسات المنجزة:
– بحث في الجغرافيا: مظاهر التلوث بتراب مقاطعة المنارة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مراكش، 2005.
– رسالة الماستر في الجغرافيا دينامية المجال الضاحوي الغربي لمراكش. حالة الجماعة القروية سعادة” كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مراكش 2008.
ـ تحقيق من طرف بنية البحث حول الجندر، 2009 ـ 2010. في موضوع: la mobilité de la femme rurale dans les zones précaires de Marrakech، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـــ مراكش.
ـ المساهمة في الاشراف على دراسة في موضوع:
“Diagnostic de terrain : La violence basée sur le genre à Marrakech-Safi”. Financé par le Ministère français de l’Europe et des Affaires étrangères et porté par l’Institut européen de la Méditerranée, dans le cadre du projet « Développer l’autonomie des femmes » labellisé par l’Union pour la Méditerranée. En partenariat avec la FLDF – Marrakech, 2017 – 2019.
ـ رسالة الدكتوراه في الآداب تخصص الجغرافيا البشرية والتهيئة المجالية، جامعة ابن زهر، المغرب. في موضوع: ” التنمية المحلية وإعادة التشكيل المجالي ـ حالة ضاحية مراكش “. تمّت مناقشتها بتاريخ 16 يوليوز 2021، بميزة مشرف جدا.
ـ المشاركة في بلورة مخطط عمل للحد من الهدر المدرسي والوقاية من ظاهرة تزويج الطفلات بالحوض الدراسي بيزضاض بالصويرة، من 24 دجنبر 2021 إلى 31 دجنبر 2022.
ـ المساهمة في الاشراف على دراسة في موضوع:
Réalisation d’une étude sur les violences basées sur le genre et le mariage des mineures dans la région Marrakech Safi, dans le cadre du projet : “Baraka Chabab contre les violences” avec la fédération des ligues des droits des femmes a Marrakech en partenariat avec Oxfam au Maroc et l’Association Gorara pour les arts et cultures, co-financé par l’Union Européenne. De 01 octobre 2021 à 31 mai 2022.