(تقرير خاص) ـ شهدت رحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة القاضي عياض بمراكش يوم 07 نونبر 2022 على الساعة 10 صباحا، بمدرج المختار السوسي مناقشة أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام وحدة التكوين والبحث، (القانون الدستوري وعلم السياسة)، تقدمت بها السيدة دريسية بورﻳﮕﺔ الإطار العالي بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، حول موضوع “إشكالية الأجندة السياسية في بلورة السياسة الخارجية بالمغرب” تحت إشراف الدكتور محمد بنطلحة الدكالي (أستاذ بكلية الحقوق بمراكش)، وأمام لجنة علمية تألفت من الدكتور سعيد أغريب (أستاذ بكلية الحقوق بمراكش) مقررا و رئيسا، والدكتور عبد اللطيف الهلالي (أستاذ بكلية الحقوق بأكادير) مقررا وعضوا، وكذا الدكتور محمد بلعربي، (أستاذ بكلية الحقوق بمراكش) مقررا وعضوا، والدكتور الحبيب ستاتي زين الدين (أستاذ بكلية الحقوق بمراكش) عضوا.
وبعد مناقشة علمية مستفيضة دامت أزيد من أربع ساعات، نالت الباحثة درجة الدكتوراه في القانون العام بميزة مشرف جدا مع تنويه اللجنة العلمية.
وفي هذا الصدد، استعرضت الباحثة أهمية موضوع الأطروحة، والغاية منها، مشيرة إلى الإشكالية التي تناولتها، والمتمثلة في مدى تمكن المغرب من ملاءمة أجندته السياسية بجل حمولاتها الوطنية وهواجسها الداخلية مع سياسته الخارجية، ومدى تأثير التحولات الدولية والإقليمية على بلورة مرتكزات وأسس هذه السياسة، في ظل تعدد الفاعلين أو مركزيتهم في صناعة القرار الخارجي ببلادنا، مشيرة في عرضها إلى أن مقاربة الأطروحة استدعت تحديدها في قسمين أساسين: خصص القسم الأول إلى تفكيك البنى القانونية والمؤسساتية للسياسة الخارجية بالمغرب، عبر التركيز على دراسة الفاعلين في صناعة القرار في السياسة الخارجية المغربية، وتمحيص العوامل المؤثرة في صياغة أجندة السياسة الخارجية المغربية.
ذلك أن عملية صناعة السياسة الخارجية المغربية حسب الباحثة تتسم بوعي الفاعلين فيها بالأهداف الرامية إلى تحقيقها، سواء بالعمل على الحفاظ على سيادة الدولة وأمنها الوطني أو بحماية مصالحها الاقتصادية والاجتماعية، بالاستناد إلى جل المحددات الجوهرية التي تتطلبها سياسية خارجية فعالة حازمة إزاء القضايا الوطنية وفي قمتها قضية الصحراء المغربية.
كما أن تعدد الفاعلين في الحقل الخارجي المغربي، خلال العقود الأخيرة مكن من الوصول إلى دبلوماسية نشطة تمكنت عبر الإمكانيات المتاحة لها من إقناع الآخرين بعدالة قضاياها وصواب توجهاتها، سيما بعد الاعتماد على مجموعة من المحددات والموارد والمهارات المؤطرة لعقيدة هذه السياسة، حيث مثلت الدبلوماسية الرسمية والموازية وسيلة هامة لجأت إليها الدولة دوما خدمة قضاياها، كما حرصت على الاستفادة من مكامن قوتها الاقتصادية للتأثير على الفاعلين الدوليين وتوجيه سلوكها السياسي في سبيل التعاون وخدمة مصالحها المتشعبة.
فيما تناول القسم الثاني من الأطروحة: الديناميات الجديدة وتأثيرها في السياسة الخارجية المغربية، عبر سعي هاته الأخيرة إلى ضبط تفاعلها مع وحدات النظام السياسي الدولي، خاصة أن الوثيقة الدستورية لسنة 2011 أفسحت لها حيزا كبيرا لتغدو معها سياسة متوازنة مبنية على أسس الدفاع عن المصالح والقضايا الوطنية، والاستناد إلى منهجي التعاون والتضامن في علاقاتها الدولية.
كما أبرزت الأطروحة، كذلك، تبني السياسة الخارجية المغربية لثلاث مبادئ أساسية في العمل الدبلوماسي، تراوحت بين سيادة القرار المغربي واستقلاليته، والواقعية والبراغماتية في التعامل مع مختلف المتغيرات والتطورات الدولية، والسعي الدائم إلى عدم الارتهان للتوجه الأحادي عبر تنويع شركاء المملكة على المستوى الدولى.
وفي نفس السياق، اعتبرت الباحثة استحضار صانع القرار المغربي في صياغة أجندة السياسة الخارجية المغربية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأهمية استقرار النظام السياسي كمحددات قوة ذاتية، بالإضافة إلى العمل على صوغ السلوك الخارجي بواقعية وبراغماتية جليتين، سعيا إلى تبوأ مكانة إقليمية ودولية والدفاع عن قضايا المغرب بما يجعل منه قوة ناعمة لتنفيذ التحولات الناجحة لسياسته الخارجية، وكذا بالنظر إلى التطورات الدولية والاقليمية في السنوات الأخيرة، التي مثلت انعطافة هامة في تغيير مبادئها وتوجهاتها منذ تولي جلالة الملك محمد السادس عرش البلاد.
وتأسيسا على ما سبق أكدت الباحثة في أطروحتها، على أن التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية المغربية، والتغيرات التي عرفتها على صعيد الأدوار الجديدة المنوطة بوزارة الشؤون الخارجية المغربية بوصفها المساهم والمنفذ لأجندة هذه السياسة، تبلورت في التطور المهم لميكانيزمات العمل الدبلوماسي والقنصلي، حيث أضحت أكثر مبادرة ودينامية، كما حفلت بنفحة إصلاحية متجددة، وبمجموعة من المستجدات التي كان لها تأثير بالغ على مستوى السلوك الخارجي للمملكة بالحفاظ على ثوابتها، من خلال تبني أنماط جديدة للدبلوماسية مثل الرقمية والعامة.
وتبعا لكل ما تقدم، خلصت الباحثة في مخرجات دراستها، إلى أن تحقيق مساعي واستراتيجيات السياسة الخارجية المغربية تستلزم العمل على مواجهة مختلف التحديات التي من شأنها أن تعيق تحقيق الأجندة السياسية في هذا المجال مع مراعاة تأثير التحولات الدولية الراهنة، من خلال تعزيز دور الدبلوماسية الموازية، والاشتغال على براديغم السياسة الخارجية المغربية ومحاوره، وتقوية الدبلوماسية الدينية والروحية لتوسيع نطاق تأثير ونفوذ المملكة في محيطها الإفريقي، مع أهمية استمرار الدفاع عن مغربية الصحراء والترويج لمقترح الحكم الذاتي عبر اختراق الدول الداعمة للطرح الانفصالي واعتماد منطق التعاون والشراكة الاقتصادية .