ورأينا الأزهر والأوقاف ودور النشر تمتنع في أغلبها عن نشر كُتب التصوف ، بل إن هناك دورًا للنشر ، كانت تأخذ دعمًا سخيًّا من إحدى الدول مُقابل ألا تنشرَ كُتبًا للتصوف ، إلى حدِّ أن هذه الدار ، ارتكبت جريمةً لا تُغتفر، حيث امتنعتْ عن تسليم أصول الكتب التي لديها حول التصوف ، ومنها كتبٌ مُترجمة من الفرنسية إلى العربية ، أنفق أصحابها سنواتٍ من أعمارهم في الاشتغال عليها ، وكان رد الدار أنها فُقدتْ وضاعت ، ولم يكن المؤلفون وقتذاك لديهم نسخٌ أخرى كعادة هذه الأيام ، حيث وسائل التكنولوجيا الحديثة في الطباعة .
لقد مات فؤاد كامل أحد أهم مبدعي مصر في الترجمة إثر فقده لأربعمائة صفحة ، كان قد سلمها لهذا الناشر ، ترجمها عن الفرنسية لكتاب المستعرب الشهير هنري كوربان ” الخيال الخلاق في تصوف ابن عربي ” ، والذي سيترجمه بعد ذلك صديقنا المغربي فريد الزاهي ، وهو يعتصر ألمًا ، لأنه يترجم كتابًا ترجمه قبله عظيمٌ من مصر ، أضاعه عمدًا الناشر المصري الشهير الذي كان يتلقَّى الأموال للإسهام في إماتة التصوف ، ويعيش بيننا كملاكٍ لم يرتكب إثمًا .
الموالد في مصر لا تكلِّف الدولة مليمًا واحدًا ، وليست خطرًا على الأمن الوطني أو الأمن القومي ، وما التجمعات فيها سوى تجمُّعٍ للأحباب والمُريدين الذين يبحثون عن الفناء في الذات الإلهية ، هم وقُود العشق الإلهي ، وليسوا قتلةً ولا سفَّاكي دماء ، أنقياء أتقياء ، سمْتُهم النقاء وصفاء الروح .
وليلة المولد ليست عُطلةً رسميةً ، كما أن الأرض التي تُقام عليها الموالد هبةٌ من أهل كل قرية ، ولكن مع زحف التشدُّد الديني على أرض مصر ، اغتصبت ساحاتُ وميادين وأراضي الموالد .
وفي حوار أجراه معي في مونتريال “كلود ليفيك” نُشر 21 من أكتوبر 2013 بجريدة لودوفوار الكندية بلسانٍ فرنسيٍّ ، وهي من أشهر وأكبر الصحف في كندا ، وقد ترجم فقرات من الحوار إلى اللغة العربية الشاعر والناقد الدكتور وليد الخشاب أستاذ الأدب بجامعة تورونتو الكندية قلتُ : ” إن المتصوف كائن منفتح على العالم ، يقبل الديانات كافة. وكما قال الشيخ الأكبر والصوفي المسلم العظيم، ابن عربي، “الحب ديني وإيماني” .
“المتصوفة مسالمون، يحبون الحياة والعشق، ولا يمارسون السياسة”. إلا أن هذه السمة لم تجنبهم ويلات الاضطهاد على مر العصور. وهم يشكلون الأغلبية في العديد من البلاد الإسلامية، ومنها مصر، لكن “تم إسكات أصواتهم “
” . يؤسفني أن أقول إن الغرب لا يحتفظ (من العالم الإسلامي) إلا بصورة المتطرفين. يظن أن هذا العالم لا يقدم سوى المجرمين”
هذا جزءٌ من حواري ، لكنني قلتُ أيضًا لمحاوري إن الغرب وأمريكا دائما ما يقدمان الدعم المادي والمعنوي لكل الجماعات الدينية المتشددة ولم نرهما مرةً واحدةً يدعمان المُتصوفة أو التصوف ، أو حتى ينفق مالا قليلا لنشر كتابٍ صوفيٍّ، لأنه يدرك أن التصوف صورة مشرقة للإسلام ، وهو لا يريد لهذه الصورة أن تنتشر وتتعمَّق في نفوس العالم ، الغرب لا يريد ابن عربي آخر ، ولا جلال الدين الرومي آخر ، لأنهما أبرز أنموذجين يدلان على سماحة واعتدال الدين الإسلامي .
*شاعر ومفكر مصري