ورث مرتدو الدين الكثير من أسلافهم ، فهم يُكفِّرون مُسلمًا لمجرَّد الانتصار لفكرةٍ في أذهانهم ، أو دفاعًا عن مذهبٍ أو انتماء إلى جماعة أو حركة أو حزب ، كأننا نعود من جديد إلى العصبية والقبلية ، وتغليب جنسٍ على آخر ، أو إعلاء قوميةٍ على أخرى .
ولعل المصحف كان وما زال ” حيلةً ” في يد الخلفاء والأمراء والولاة والحكام ، وما فعله الداهية عمرو بن العاص (592 – 682ميلادية ) قائد جيش معاوية بن أبي سفيان خير الأمثلة التي لا تُنسى على ذلك ، إذ أمر جنده برفع المصاحف على أسنَّة الرِّماح في مواجهة علي بن أبي طالب في صفين سنة 37 هجرية – 657 ميلادية ، وقد لجأ إلى هذه الخديعة الدنيئة لما رأى النصر يقترب من يد عليِّ ، وكان التحكيم حيث خُلع عليُّ ، وثبِّتَ مُعاوية بن أبي سفيان الذي رفض منذ البداية مُبايعته ، بل طلب الثأر منه في مقتل عثمان بن عفان مُتهمًا إياه بأنه وراء مقتله ؛ كي يخلفه ، وتؤول الخلافة إليه.
ومنذ قيام الدولة الأموية في سنة 41 هجرية – 661 ميلادية بعد أن تنازل الحسن بن علي عن حقه في الخلافة ، حيث بدأت بمعاوية بن أبي سفيان ، وانتهت بمروان بن محمد الذي قُتل سنة 132 هجرية – 750 ميلادية وبينهما اثنا عشرة خليفة ، والأمويون يرون أنفسهم خلفاء الله ورسوله في الأرض ، وعلى الناس السمع والطاعة والمناصرة .
وعلينا أن نتذكر خطبة زياد بن أبيه ( 53 هـجرية /622 ـ 672ميلادية ) المعروفة بالبتراء (لأنه لم يحمد الله فيها)، لمَّا صار واليا على البصرة ، وأثبتُ هنا مقاطع منها تدلِّل على مقصدي من استغلال الله سبحانه في الحُكم ، وجعله الأداة التي يضربون بها ويبطشون ، إذ قال : ( أما بعد, ” … ” وإني أقسم بالله لآخذن الولي بالمولى، والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والمطيع بالعاصي، والصحيح منكم في نفسه بالسقيم حتى يلقي الرجل منكم أخاه فيقول :انج سعد فقد هلك سعيد، أو تستقيم لي قناتكم.
من نقب منكم عليه فأنا ضامن لما ذهب منه، فإياي ودلج الليل؛ فإني لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمه، وقد أجلتكم في ذلك بمقدار ما يأتي الخبر الكوفة ويرجع إليكم، وإياي ودعوى الجاهلية؛ فإني لا أجد أحدا دعا بها إلا قطعت لسانه، وقد أحدثتم أحداثا لم تكن وقد أحدثنا لكل ذنب عقوبة؛ فمن غرق قوما غرقناه، ومن أحرق قوما أحرقناه، ومن نقب بيتا نقبنا عن قلبه، ومن نبش قبرا دفناه حيا فيه، فكفوا عني أيديكم وألسنتكم أكفف عنكم يدي ولساني، ولا تظهر من أحد منكم ريبة بخلاف ما عليه عامتكم إلا ضربت عنقه، وقد كانت بيني وبين أقوام إحن فجعلت ذلك دبر أذني وتحت قدمي، فمن كان منكم محسنا فليزدد إحسانا، ومن كان منكم مسيئا فلينزع عن إساءته.
أيها الناس، إنا أصبحنا لكم ساسة، وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، ونذود عنكم بفيء الله الذي خولنا، فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا، ولكم علينا العدل فيما ولينا، فاستوجبوا عدلنا وفيئنا بمناصحتكم لنا، واعلموا أني مهما قصرت عنه فلن أقصر عن ثلاث : لست محتجبا عن طالب حاجة منكم ولو أتاني طارقا بليل، ولا حابسا عطاء ولا رزقا عن إبانه، ولا مجمرا لكم بعثا، فادعوا الله بالصلاح لأئمتكم؛ فإنهم ساستكم المؤدبون لكم، وكهفكم الذي إليه تأوون، ومتى يصلحوا تصلحوا، ولا تشربوا قلوبكم بغضهم، فيشتد لذلك غيظكم، ويطول له حزنكم، ولا تدركوا له حاجتكم مع أنه لو استجيب لكم فيهم لكان شرا لكم.
أسأل الله أن يعين كلا على كل، وإذا رأيتموني أنفذ فيكم الأمر فأنفذوه على أذلاله، وايم الله إن لي فيكم لصرعى كثيرة فليحذر كل امرئ منكم أن يكون من صرعاي ) .
وهذا ما رأينا مثيله وشبيهه من الإخوان والسلفيين عندما حكمت جماعة الإخوان مصر مدة عام ، إذ رأينا أصغر عضو منتمٍ إلى الجماعة ، يقدِّم نفسه باعتباره ” إلهًا كبيرًا ” ، له الحكم والطاعة ، ولعل مقولة مرشد الإخوان ” جئنا لنحكم مصر خمسمائة سنة ” ، تعود إلى مفهوم حُكم الخلافة الذي يعتمد الوراثة أسلوبًا في الحكم ، أي لا تحلموا ولا تفكِّروا فيما تسمُّونه تداول السلطة ، وهو المفهوم الذي يتبنَّاه أي حكم فاشيٍّ على الأرض .