خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده زياد النخالة ، الأمين العام للجهاد الإسلامي ، بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة مصرية ، أكد أن سرايا القدس تحملت ” الجهد الأكبر ” في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب الخمسين ساعة ,,,
ولعل المتابع لماجاريات الحرب لاحظ أنه باستثناء كتائب أبو علي ( = الجبهة الشعبية ) وشهداء الأقصى ( فتح ؟) ولجان المقاومة الفلسطينية الذين اختصوا تقريبا بقصف ما يعرف بغلاف غزة ( مدار قريب ) .. فإن حماس انكفأت عن المعركة .. ولم تشارك في خوضها .. وهو ما يطرح السؤال : ما هي أسباب هذا الإنكفاء ؟ هل هو مجرد تقسيم محسوب للأدوار أم حصيلة تمايز استجد في الرؤية والمواقف بين التنظيمين الفلسطينين الأساسين ؟
علق الأمين العام للجهاد الإسلامي عن سؤال صحفي بخصوص هذه النقطة .. أن سرايا القدس أنجزت ما أنجزته بفضل الحاضنة الشعبية الفلسطينية والتي يقع في الأساس منها حركة حماس .. مما يعني أن الأخيرة اقتصرت على توفير الدعم السياسي .. وهو أمر مفهوم بالنظر إلى التداعيات الخطيرة المحتملة على الوضع بغزة في حالة وقوفها في مواجهة الجهاد الإسلامي في هذه المعركة . ما هي الحسابات الممكنة وراء هكذا موقف من حماس ؟
لعل القارئ يتذكر أن حماس هي من بادرت خلال معركة “سيف القدس “قبل سنة ونيف إلى رفع شعار وحدة الساحات الفلسطينية .. دفاعا عن حي الشيخ جراح و مسجد الأقصى بل وأراضي 1948 .. وأن الجولة المذكورة انتهت إلى تسوية ما لجمت يد إسرائيل نسبيا بخصوص الساحات المذكورة وهو ما خرقته بإقدامها على محاولة اغتيال الشيخ بسام السعدي – أحد رموز الجهاد الإسلامي بجنين ( = الضفة الغربية ) والإنتهاء باعتقاله في شروط مذلة بعد تجييش كلب ضده علاوة على الاعتقال الإداري لهشام هواش الذي يخوض إضرابا عن الطعام أصبح يهدد حياته .
هل أصبحت حماس غير معنية بوحدة الساحات الفلسطينية .. أم ثمة سياق سياسي /عسكري جديد فرض عليها هكذا تراجع ؟
لعل المتتبع لماجاريات الصراع الفلسطيني الإسرائلي .. لاحظ أن منسوب العمليات المسلحة بجنين – والضفة الغربية عموما -قد ارتفع خلال السنة الأخيرة وقبلها بوسائل بدائية .. وهو تطور يحمل بالمجمل بصمات الجهاد الإسلامي التي ترفض مبدئيا أي اعتراف أو حوار مع ” السلطة الفلسطينية ” التي يظهر أنها في طور المراحل الأخيرة من المفاوضات مع حماس بشأن توزيع “السلطة “والأدوار بينهما … بالضفة الغربية وغزة تحت إشراف مصري.
وإذا كانت حماس مضطرة إلى توفير حاضنة سياسية بغزة لكفاح سرايا القدس ضذ العدوان الإسرائلي .. إلا أن اغتيال قائد الأخيرة بشمال منطقة غزة ( = الجعبري ) أثناء المفاوضات التي رعتها مصر قبل الحرب .. وقائدها للمنطقة الجنوبية ( منصور ) أثناء الحرب .. يشي بتحول نوعي في معطيات الاستخبارات العسكرية ..عجزت إسرائيل عن توفيرها لنفسها طيلة عقود من الصراع مع الحهاد الإسلامي ! (يلاحظ ان زياد النخالة سكت تماما عن هذه النقطة خلال ندوته الصحفية ) هل ساهمت حماس في كسر ظهر الجهاد الإسلامي .. هدف إسرائيل المعلن من الحرب .. من خلال كشف قياديي سرايا القدس الأساسيين ؟
أمر لا أستبعده شخصيا للأسباب التالية:
من جهة لا يمكن لحماس أن تقبل بظهور الجهاد الإسلامي كقوة قادرة على التصدي لإسرائيل بمفردها .. أي ضرورة الحفاظ على هيمنتها العسكرية بالقطاع وهو أمر لم يتحقق رغم الطعن من الظهر .
ومن جهة ثانية يبدو أن حماس مصرة على التمييز بين ساحتي فلسطين ولبنان .. إذ من المتوقع أن تشتعل الحرب خلال شتنبر القادم بين إسرائيل وحزب الله على خلفية الصراع على الثروات البحرية بينهما ، وهي معركة من شأنها إعادة خلط الأوراق بما قد يجعل غزة تحت إشراف حزب الله ومن ورائه إيران .. مما قد يفقد حماس عمقها العربي الرسمي . هذا بينما الجهاد الإسلامي تتقدم معركة الربط بين هذه الساحات .. لأسباب عقائدية واستراتيجية .
من الصعب تفهم مشاركة الكيانات المسلحة للقوى السياسية الديمقراطية -خاصة الجبهة الشعبية- بهذه المعركة …هل سلمت نهائيا بالاصطفاف خلف المشروع الأصولي في الصراع حول القضية الفلسطينية .. أم مجرد تكتيك لمنع الفراغ والاستفراد ؟
المستقبل القريب وحده من يجيب عن هكذا أسئلة.
*حقوقي ومحام من هيئة مراكش