بعدما شعر الانسان بعجزه عن إدراك الزمن والتحكم فيه، كبعد من الأبعاد الفاعلة في حياته، وقصد التحكّم فيه و السعي الى إخضاعه ، عمل الانسان على تجزيئِ الزمن وتقسيمه الى قطع مختلفة الأحجام والأشكال ، ولمّا أدرك أن هذا الزمن عبارة عن خيط(سرمدي) لا متناهي ونهر سائل بلا منبع(أزلي) ولا مصبّ(أبدي)، ولمّا لم يجد من الوسائل ما يستطيع أن يضعه له كبداية( منبع) وما يمكن أن يجعله له كنهاية(مصبّ)، اهتدى بحركة دوران الأرض حول نفسها( التي ظنّها في البداية دوران للشمس حول الأرض)، وبدوران القمر حول الأرض، وبدوران الأرض حول الشمس، لربط بداية خط الزمن بنهايته، وجعله دائريا، لكي يتمكن من رصد حركته ومتابعتها، كما لم يجد غير أن يتخذ بعض الحوادث الطبيعية الجِسام أو بعض الأحداث التاريخية العِظام، التي يعتبرها منعرجات كبيرة في خط سير ذلك الخيط الزمني اللامتناهي ومنعطفات كبرى في مجرى ذلك النهر الزمني المتدفق، كما لم يجد ما يحدد ويقيس به تلك القِطَع الزمنية الفارقة بين تلك الحوادث الكبرى والأحداث الكبيرة سوى الظواهر الطبيعية المتحرّكة والمتكررة باستمرار عبر الزمن في دورات لا متناهية، كالشمس والقمر والأرض ، وبقية الكواكب والأجرام ، وما يرتبط بها من الأحوال والفصول( المواسم) والظلِّال( الليل والنهار)، فجعل استكمال الأرض لدورتها حول الشمس سنة، وجعل من استكمال القمر لدورته حول الارض شهرا، واتخذ استكمال الارض لدورتها حول نفسها يوما. لتتحول هذه الدورات الفلكية الى دورات زمنية ووسائل لقياس الزمن وتجزيئه قصد التحكم فيه. وبقدرما أراد الانسان التحكم في الزمن أكثر إلا وأمعن في تقسيمه وتجزيئه أكثر إلى وحدات أصغر، ثم سار هذا الانسان يربط كلّ الاحداث والوقائع البشرية والطبيعية بهذه الدورات الزمنية (السنة – الشهر – اليوم ..)، ويؤرّخ بها كل أنشطته ويقيس بها كل أعماله ويحصيبها أعماره ويُقيّمَ بها منجزاته. وقصد إبراز قوّته و إظهار نجاحه في التحكّم في الزمن والاحتفال بالانتصار عليه، خلق الانسان لنفسه مناسبات ومواسيم وأعياد وأعراف وتقاليد للابتهاج والفرح بالانتصار على الزمن عند انتهاء كل دورة من تلك الدورات الطبيعية وبداية أخرى.وسعيا في المزيد من التحكّم في هذا البعد الزمني المتغوّل، شرع الانسان في البحث عن كل ما يساعده على تقسيم هذا الزمن أكثر وتجزيئهالى أصغر ما يمكن من القطع والوحدات ، فاخترع الساعة والدقيقة والثانية وأجزاء الثانية، وكلها قطع زمنية مناسبة لسُرعة الحركة(من أبطئِها إلى أسْرعِ أسْرعِها) موظفا في ذلك أحدث وأسرع ما أكتشفه في مجال الحركة والرياضيات والفيزياء و هو سرعة الضوء، ولم ينتبه المسكبن(الانسان،) إلى أنه بقدر ما أمعن في تقسيم الزمن أكثر وقياسه بأدق الآلات، قصد التحكّم فيه واستثماره، بقدرما تحكّم الزمن في الانسان، وجعله أسيرا لحركات وحدات قياسه، وخاضعا لوثيرتها.كانت السوسيولوجيا أقلّ العلوم الانسانية اهتماما بعامل الزمن، حيث يقتصر توظيفها له على الكرونولوجيا الزمنية لتعاقب الأحداث التاريخية والوقائع الاجتماعية. وفي المرحلة الأخيرة أصبح الزمن” في حد ذاته موضوعا للبحث السوسيولوجي ، حيث ظهرت مفاهيم جديدة مثل ” الزمن الاجتماعي” و”الزمن الثقافي” ، وذهب بعض علماء الاجتماع في تحديدهم للزمن الاجتماعي أن الزّمن غير مستقلّ عن المجتمع الذي يصنعه، حيث يتجاوز الزمن العادي أو الخاص ، ذلك أن كل ممارسة اجتماعية تُنتِجُ زمنها الخاص بها، مما يحتّم تعدّد الأزمنة الاجتماعية كما بيّن جورج كوفيتش في “الأطر الاجتماعية للمعرفة”.مالك بن نبي في “مشكلة الثقافة” يرى أن “من نتيجة تقسيم العمل في المجال الإجتماعي تقسيم الزمن في المجال النفسي، ومنذ ذلك الحين أصبح الزمن كمية تخضع للقياس، وإن كان هذا القياس مازال في أول الطريق، فالعمل يقدر باليوم لا بالساعة لسبب بسيط هو أن وحدة الزمن لم يتم تحديدها بعد، فحديث القدماء عن الساعة لم يكن حديثا عن كمية محددة من الزمن، فكان على الانسانية أن تنتظر الحضارة العربية لترى الزمان يقاس في النهاية قياسا رياضيا، لأن أحد الفلكيين المسلمين بالمغرب وهو: “أبو الحسن المراكشي” قد اخترع وحدته حين حدّد “الساعات المتساوية”، أعني حين قسّم مدة دوران الأرض إلى أربعة وعشرين جزءا متساويا. فمنذ ذلك الحين انتقل تحديد الزمن من المرحلة التجريبية الى المرحلة العلمية. ومنذ ذلك الحين أيضا نمت فكرة الزمن حتى انتهت الى تايلور، الذي جعل منها قاعدة جوهرية في التنظيم الصناعي في القرن التاسع عشر.”.
مقالات ذات صلة
شاهد أيضا
Close
-
أحـمـد الـشَّـهـاوي: ما زلتُ طفلا3 أيام تقريبا