قد يبدو أن للخطاب الملكي رسالة مادية أو نفعية في العلاقة مع قضية الشباب والتي خصص لها حيزا مهما من الناحية النوعية ، وتخص موضوع مغاربة العالم الشبان مهاجرين ومبتكرين، ورغم أن هذا من إختصاص الشأن الحكومي الصرف والصميم ، فإن ورود هذه العناية في خطاب 20 غشت 2022 والذي يهم منجزات وآفاق الوطن بمناسبة عيدين ” ثورة الملك والشعب ” و” عيد الشباب ” الذي يصادف ذكرى ميلاد الملك محمد السادس ، مرتبط هذا الورود بقضية جوهرية ترقى إلى القضايا السيادية والحيوية للبلاد ، ذلك أن الهجرة لم تعد فقط هجرة أيادي عاملة وكفاءات ورساميل ، بل هجرة ” غاضبين ومعارضين ، مما يطرح إشكالية أمنية خطيرة ، فأغلبهم يعدون موضوع إستقطاب من قبل بنيات الجريمة الدولية المنظمة سواء في مجال التطرف الفكري والديني والعنف والإرهاب والدعارة والإتجار في البشر والسلاح والمخدرات ، وبالتالي فالمجال خصب لإستقطابهم وتجنيدهم وتسخيرهم لكل ما ذكر ، وقد سبق أن تم التنبيه بأنه يجب التعامل مع هذه الوقائع بجدية ، في ظل تفاقم المد المحافظ والشعبوي ، لذلك كان من الضروري أن يتفاعل الخطاب مع خطورة هذه الظواهر ، وذلك بإطلاق عملية التفكير والتصميم من أجل توفير بدائل جدية وآمنة لهؤلاء الشباب جميعا ، وكلنا يتذكر عملية تهجير الشبان اليهود إلى فلسطين المحتلة وما نتج عنها من تداعيات وخيمة على مستوى التجنيس وتغيير الهويات ، ولعل التحذير الذي نكرره فيما يخص ضرورة أخذ الأمور بجدية ومسؤولية من خطورة صهينة الذاكرة الوطنية ، بحكم ارتباطنا الوجداني والتاريخي بقضايا التحرر الوطنية والقومية ومناهضة شعبنا وقواه الحية لكل أشكال الإضطهاد الطبقي والعنصري والإستعمار القديم والجديد ، وركزنا في مقالات عديدة ، آخرها قبل أيام من تلاوة الخطاب الملكي ، ركزنا على أن هناك مشكلتين على الدولة أن تتعامل معهما بجدية ومسؤولية :
١ = فساد البنيات والمؤسسات ومحاولة أسلمة الدولة
٢= استقطاب اسرائيل للشباب المغربي ومحاولة صهينة الذاكرة الجماعية والوطنية ، وقلنا بأن هذه مسودة لصيغة ملائمة للتوقيع بالأحرف الاولى على ميثاق سياسي جديد من أجل إستقلال ثالث . ( انظروا المقال على صفحة حسابي ) .
إن تجاوب الخطاب ( ولو بصيغة توارد الأفكار والخواطر دون توافق الإرادة صراحة ) وتفاعله مع ظاهرة الشبان المهاجرين ، وما يمكن أن تضمره الرسائل الضمنية ، يفترض أنها تروم التحذير من خطورة تجنيدهم ضد هويتهم وأوطانهم بإسم الدين أو بإسم الهوية أو الشعور بالإضطهاد الثقافي أو الإكراه اللغوي ، لعملية تستحق التنويه والتثمين ، خاصة وأنه بعد حصول الهجرة المضادة او العودة لقدماء ” المجاهدين ” والمشاركين في الإرهاب الدولي أو توافد السياح اليهود الشبان من الشرق الأوسط أو غيره من البلدان المحيطية ، سيحصل إرتباك كبير في ظل هشاشة بنية الإستقبال ، لأن الأمر لا يتعلق بمسألة أمنية بل بقضية ثقافية تمس الهوية والسيادة الوطنية ، فالعائد يحمل معه قيمه الجديدة وتمثلاته المفارقة ، ليطرح سؤال الكلفة المعنوية والثمن المادي ، بعد إفتراض جدية الإرادة السياسية وجودة الخيار السياسي والقرار الأمني ، بعيدا عن أية مقاربة تمييزية مع ضمان صون الحقوق الوطنية المكتسبة ، والدين التاريخي والذي لن تنفع معه المراجعات المذهبية أو النقد الذاتي حتى !
*رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن