في البدء لابد من التأكيد من الناحية المبدئية على أن ما جرى من قمع للوقفة الإحتجاجية التي أقامها مناصرو حزب النهج الديمقراطي لا يمكن إلا التنديد به ، في انتظار فتح التحقيق القضائي والمساءلة إن كانت لهما شروط الحقيقة والإنصاف.
ولا يسعني إلا أن أتساءل مع السائلين لماذا عجزت الدولة عن توفير حماية للمحتجين، باعتبار أن الاحتجاج المحظور هو الذي يكتسي طابع ” التجمهر المسلح ” ، وبالتالي لم يكن من الداعي إستعمال القوة والتعنيف تجاه المشاركين ، فالقانون يبيح التفريق فقط دون ضرب أو تعنيف، وهذه الوسيلة مشروطة بصدور قرار المنع من الجهات المختصة إقترانا مع عدم الإمتثال لقرار المنع بعد إجراء مسطرة الإنذار .
وبعد التنديد والتعبير عن التضامن مع ضحايا هذا الانتهاك ، لا مناص من تجديد النداء ، والذي صار كالخطاب المكرور ، متى ستتعقل الدولة نفسها وتكف عن قمع التعبير السلمي؟.
لماذا يفترض العقل الأمني وجود قصدية جنائية وراء كل تعبير أو تقدير أو رأي ، مادام أن الأصل هو الإباحة عن طريق الإشعار والتصريح ، والحال أنه تم إلغاء ظهير 29 يونيو 1935، الذي يؤسس ويبرر إنتهاكات الدولة ومؤسساتها بمقتضى “كل ما من شأنه” وهي سردية أمنية لم تقو الأجهزة الردعية ولا القضائية التخلص منها ، فبحكم تمثلات الأمنيين والموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، حصل التطبيع مع ممارسة القمع ، رغم خطاب المفهوم الجديد للسلطة ومقتضيات الحكامة الأمنية الموصى بها من قبل تقرير هيأة الإنصاف والمصالحة.
وإذا كان واضحا أن الإنتقال الأمني لم يحصل رغم التحولات الحاصلة على مستوى السلوك الامني في العلاقة مع منحى التمييز بين المسؤولية الفردية والشخصية وبين المسؤولية المرفقية أو الدولتية المؤسستية ؛ فإن تعدد المتدخلين وتماهي الصلاحيات يخلق نوع من سياسة الأمر الواقع من خلال تماهي المسؤوليات ، وهذا ربما أحد مبررات عدم تنصيب اامجلس الأعلى للأمن ، الذي نص عليه دستور يوليوز 2011 .
فهل تكفي الإدانة والتضامن ، أم لابد من الإقرار بفشلنا كحقوقيين في الضغط على الدولة كي تفعل مقتضيات الحكامة ودمقرطة استعمال القوة العمومية ، حتى نتمكن بكل حرية ومسؤولية إستثمار الفضاء العمومي للتعبير كشكل من أشكال التدبير السلمي للصراع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي أيضا ، لأن التضييق على هذه الحريات والتي تمت دسترتها وصارت حقوقا ومكتسبات تغني عن النضال ” السري ” وعن اعتماد الكولسة والمؤامرات ضمن استراتيجية ” المقاومة من داخل المجال السياسي المغلق.
طبعا فشلنا هذا مرده تطبيع بعض من زعمائنا مع ممارسات النظام بالتسويات المتضخمة إلى درجة أن بعضنا صار يطبع مع أي شذوذ في السلوك المدني ، إما مسالمة وخنوعا او تطرفا وعنفا . من هنا يطرح سؤال إعادة تأهيل الغايات والوسائل ، بعد الذي عاشته الحركة الحقوقية التي صارت تتماهى، عوض أن تلتقي أو تتقاطع مع الحركة الإجتماعية ، تأهيل يأخذ بعين الإعتبار أن التعبئة ينبغي أن تنطلق من أسفل إلى أعلى ، وليس العكس ، كما يريده العقل الأمني الذي يحدد ويفرض جدول أعمال النظام السياسي على المجتمع وتعبيراته المفترضة ، مدنية أو حزبية ، أو نقابية، أو إجتماعية أو إقتصادية ، أو حقوقية .
إن المطلوب منا وما ينتظرنا جميعا كأولوية ، هو المبادرة إلى إطلاق نقاش عمومي ، عمودي وعرضاني ، بيني وداخلي ، يستحق أن نعنون خطواته إبتدائيا بمحاولة التأمل بجعل الأمن جزء من الحل وليس جزء من المشكل أو مشكلا في حد ذاته ، من أجل ومن خلال تكريس المسافة بين سياسات حقوق الإنسان ، التي تخططها الدولة وتمارسها تشاركيا مع الأحزاب الموالية أو المعارضة ، والتي لا تؤمن مبدئيا بأن كل ماهو مدني ينبغي أن يكون على مسافة ( ضرورية وإجبارية ) مع كل يتعلق بالدولة كتجسيد للقوة والسياسة ، وبين السياسات من أجل حقوق الإنسان.
المفترض أن الهيئات الحقوقية والمدنية هي المختصة حصريا بدعم من الحركات الإجتماعية والنقابية واستقلالية عنها ، والتي تعتبر الحالات النضالية والإحتجاجات الوقتية موضوعا لها ، لا مؤطرة لها ولا مهيكلة أو موجهة .