
(كش بريس/خاص) ـ أكد المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، على أن إشراك الجماعات الترابية في تدبير المؤسسات التعليمية أصبح ضرورة حتمية لضمان مدرسة حديثة ومستدامة، مبرزا أن نقل الصلاحيات بشكل تدريجي، مع توفير الإمكانات المالية اللازمة، مفتاحًا لإنجاح هذه العملية، بما يضمن انسجام السياسات الوطنية مع الحاجيات المحلية، ويحقق الأهداف الاستراتيجية للإصلاح التربوي في المغرب.
وأوصى المجلس في تقرير حديث موسوم ب ”المدرسة الجديدة: تعاقد مجتمعي جديد من أجل التربية والتكوين من الرؤية الاستراتيجية إلى الرهانات التربوية المستقبلية”، بضرورة تعزيز انخراط الجماعات الترابية في تدبير المؤسسات التعليمية، نظراً لأهمية مراعاة الخصوصيات المحلية في السياسات التعليمية، مشددا على أن القوانين التنظيمية منحت الجماعات الترابية صلاحيات جد محدودة في مجال التربية والتكوين، إذ تقتصر على النقل المدرسي القروي بالنسبة لمجالس العمالات والأقاليم، وإنشاء مراكز جهوية للتكوين المهني في الجهات، مما يعكس النظرة التقليدية إلى المدرسة كمؤسسة تابعة للدولة فقط، ومهمتها الأساسية تنفيذ السياسات الوطنية للتمدرس والتكوين دون إشراك الفاعلين المحليين بشكل فعّال.
وأشارت الوثيقة إلى دور الجماعات الترابية في تنفيذ سياسات تعليمية تستهدف المنقطعين عن الدراسة، كما هو الحال في “مدرسة الفرصة الثانية”، التي يتم تنفيذها بدعم من الجماعات الترابية وبتعاون مع فاعلين عموميين وشركاء جمعويين. وتستند هذه السياسات إلى الحاجيات المحلية وتراعي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لكل منطقة.
وطالب المجلس الأعلى الجماعات الترابية بالاستفادة من إمكانات الجهوية المتقدمة للإسهام في تحقيق أهداف المدرسة الجديدة، وإدراج قضايا التعليم ضمن الأولويات الجهوية والمحلية، مشيرا إلى أهمية نقل صلاحيات إضافية للجماعات، مع توفير الإمكانات المالية واللوجستية اللازمة لضمان استدامة هذه المسؤوليات.
كما أوضح أن توسيع نطاق مسؤوليات الجماعات الترابية في مجال التربية يمكن أن يبدأ بخطوات أولية، تشمل، على المدى القصير، صيانة وحراسة ونظافة المؤسسات التعليمية، النقل المدرسي، الإيواء، المطاعم المدرسية، وسكن المدرسين في المناطق النائية.
وأشار إلى صلاحيات مشتركة بين الدولة والجماعات كدعم التعليم الأولي، تعزيز المكتبات المدرسية، تشجيع التربية الرقمية، المساعدة في مبادرات الدعم المدرسي، تنظيم الأقسام الاستكشافية، ودعم الورشات الفنية والثقافية والأنشطة الرياضية والعلمية.
وفي السياق، أكد التقرير على أن أي عملية نقل للصلاحيات ينبغي أن تكون مصحوبة بتوفير موارد مالية وتعويضات مناسبة، وفقاً لمقتضيات القوانين التنظيمية. مبرزا أهمية مجلس المؤسسة، حيث يمثل نقطة تلاقي بين اللامركزية والاستقلالية الإدارية والانفتاح، مما يجعله هيئة مثلى لتنفيذ التوجهات الوطنية في إطار المشروع التربوي المحلي، مشيرا أن الحضور الفعّال للجماعات الترابية في الهيئات التدبيرية للمؤسسات التعليمية يمكن أن يخلق دينامية جديدة في تدبير الشأن التربوي.
كما ذكر بتجربة فرنسا في اللامركزية التعليمية، حيث شهدت الفترة 1982-1985 منح صلاحيات للجهات والإدارات الإقليمية لبناء وتجهيز الإعداديات والثانويات، في حين تعود مسؤولية المدارس الابتدائية إلى الجماعات المحلية منذ قانون 1833، موضحا أن هذا النموذج أدى إلى تحسين جودة البنية التحتية وصيانتها، مما يبرز أهمية إشراك الفاعلين المحليين في تدبير الشأن التعليمي.