“مُتعبٌ منّي،، ولا أقوى على حملي”، هكذا أنهى شاعر العراق العظيم مظفر النواب ملحمته الشعرية الخالدة، وهو على فراش المرض، بعد معاناة طويلة لم ينفع معها علاج .
فقد أعلن صباح يومه الجمعة 20 ماي 2022 بمستشفى الجامعة بإمارة الشارقة الاماراتية، وفاة مظفر النواب وهو على أعتاب التسعين من عمره في عزلته الأخيرة، بعد أن اضطر لهجرة ضيعته الصغيرة بدمشق السورية حيث كان يقيم.
ولد النّواب عام 1934 في الكرخ بالعاصمة العراقية بغداد، وهاجرت عائلة جده إلى الهند أيام حكم العثمانيين للعراق، وهناك تولت الحكم في إحدى الولايات الهندية، ثم عادت منها إلى العراق بضغط من سلطات الاحتلال الإنجليزي بالهند بسبب مقاومتها لها، وهو من سليل عائلة أدبية ثرية تنتمي إلى البيت الهاشمي، وكان جده لوالده يقرض الشعر بالعربية والفارسية.
تمكّن النواب من صناعة شهرة أدبية لنفسه بكتابته الشعر باللغة العربية الفصحى إضافةً الى اللهجة العامّية المتداولة في العراق، معزّزا رصيد شهرته بانتقاده ومعارضته الأنظمة السياسية العربية عموما، والعراقية على وجه التحديد، وهذا ما جعله شريدا في المنافي في أغلب عقود حياته.
تغللت مبادئ الشيوعية إلى العمق الفكري للنواب، فدفعته للانتماء إلى الحزب الشيوعي العراقي وقدّم تضحيات كبيرة في صفوفه ولا سيما بعد الإطاحة بالنظام الملكي عام 1958، وبقي على ما كان عليه حتى عام 1963، واضطر في تلك المرحلة إلى مغادرة بلده، متجها صوب إيران لاشتداد الصراع بين الشيوعيين والقوميين الذين تقلدوا الحكم بانقلاب نفذوه في 8 فبرايرمن العام نفسه.
لكن المخابرات الإيرانية آنذاك ألقت القبض عليه وهو في طريقه إلى روسيا وسلّمته إلى السلطات العراقية، فحكمت عليه المحكمة العسكرية بالإعدام، لكن خفف الحكم إلى السجن المؤبد. وأمضى فترة فى سجن “نقرة السلمان” الشهير في محافظة المثنى جنوب العراق، ثم نقل إلى سجن الحلة الواقع جنوب بغداد، وهناك تمكن من الهرب والاختفاء بجنوبي العراق حيث عمل في شركة هولندية، وفي عام 1969 صدر عفو عن المعارضين فرجع إلى الوظيفة في مجال التعليم مرة ثانية بعد أن فُصل منها.
عاش نحو 5 عقود طريدا بين المنافي العربية والأجنبية، متوزعا في أسفاره بين دمشق وبيروت والقاهرة وطرابلس والجزائر والخرطوم، وسلطنة عُمان، وإريتريا وإيران وكذلك فيتنام وتايلند واليونان، وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، فضلا عن فنزويلا والبرازيل وتشيلي.
دأب النواب على تنظيم ونشر أمسياته الشعرية بالعواصم الغربية وتحديدا لندن، وألقى فيها قصائده الكثيرة التي خصصها للقضية الفلسطينية وانتفاضتها (1987 و2000) والحثّ على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، خاصة قصيدته “القدس عروس عروبتكم”.
عاد لموطنه العراق، بعد إصابته بمرض الشلل الرعاش، حيث عانق هواء دجلة والفرات بعد فراق دام لأكثر من 40 عاما، متنقلاً في المنافي دون استقرار، واستقبله آنذاك الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني بمكتبه في قصر السلام وسط العاصمة بغداد.