انطلقت، اليوم السبت بالرباط، أشغال الاجتماعات السنوية المشتركة للهيئات المالية العربية المنظمة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، بمشاركة العديد من وزراء المالية والاقتصاد بالدول العربية، ومحافظي البنوك المركزية العربية وممثلي منظمات إقليمية ودولية.
وتميزت الجلسة الافتتاحية لهذه الاجتماعات بالرسالة الملكية التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى المشاركين، والتي تلاها رئيس الحكومة عزيز أخنوش.
وقال الملك محمد السادس في رسالته إنه “تأكيدا للاهتمام الكبير الذي توليه بلادنا للعمل العربي المشترك. وبهذه المناسبة يسرنا أن نتوجه إلى المشاركين في هذه الاجتماعات، التي أضفينا عليها رعايتنا السامية، تقديرا منا للدور الرائد الذي تضطلع به الهيئات المالية العربية، في دعم مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول العربية”.
وأكد الملك على أن اللقاء السنوي للهيئات المالية العربية يعتبر محطة هامة لتقييم المنجزات، وتثمين الجهود التنموية المشرفة التي تبذلها، كما يعد فرصة لاستشراف الرهانات التنموية المستقبلية المطروحة في عالم سريع التحول، ومناسبة لتبادل الآراء بخصوص السبل الكفيلة بدعم جهود الدول العربية لكسب تلك الرهانات.
وتابع جلالته بالقول: إن الاجتماعات السنوية المشتركة للهيئات المالية العربية لعام 2023، تنعقد في ظل مناخ الضبابية وعدم اليقين الذي يطبع أداء الاقتصاد العالمي، لاسيما مع استمرار تداعيات الأزمة الأوكرانية والتوترات الجيوسياسية الدولية، مع ما يترتب عن ذلك من تفاقم الضغوط التضخمية المتزايدة، وتشديد الشروط الائتمانية، وتنامي المخاطر المرتبطة بالأزمات البنكية، وكذا التحولات المناخية المقلقة والمتسارعة، التي تلقي بآثارها على آفاق النمو الاقتصادي، واستقرار الأسواق عبر العالم”.
مضيفا في ذات السياق، أنه “أخذا بعين الاعتبار لما تشكله هذه التطورات المتسارعة من مخاطر على الأمن الطاقي والغذائي، على المديين المتوسط والبعيد، فنحن بالتأكيد مدعوون للعمل على مواصلة توحيد الجهود الإنمائية العربية المشتركة، وعلى تحيين الاستراتيجيات والبرامج التنموية، والارتقاء بها إلى مستوى تطلعات وحاجيات المواطن العربي وخاصة الشباب”.
وشدد ملك الباد، على أـنه من بين أهم الأولويات التي ينبغي أن تؤطر الجهود الإنمائية للهيئات المالية العربية في السنوات المقبلة، تبرز المواكبة الاستباقية للتحولات المناخية، التي يشهدها العالم بصفة عامة، ومنطقتنا العربية بصفة خاصة، وذلك عبر تقديم تمويلات تفضيلية للمشاريع الرامية لتعزيز الانتقال إلى اقتصاد أخضر ومستدام، وكذا دعم البحث وتقاسم الخبرات وحشد القدرات في هذا المجال.
وأشار الملك، إلى أن مواكبة الهيئات المالية العربية، لجهود البلدان الأعضاء في الحفاظ على الأمن المناخي، وبناء اقتصاد أخضر، تمر أيضا، عبر دعم الدول العربية في المحافل الإنمائية الدولية، ليتسنى تحقيق التوازن بين قدراتها التمويلية، وحدود مساهمتها في انبعاثات الغازات المسببة للتغيير المناخي، مع السعي للعب دور الوساطة في تنزيل الوعود التمويلية، التي يقدمها المجتمع الدولي في إطار اتفاقية باريس حول المناخ”، داعيا إلى ضرورة مراعاة التقاطع الملموس بين الأمن المناخي والأمن الغذائي، لا سيما على مستوى دعم جهود الأمن المائي بالدول العربية، وتبني خارطة طريق للتكامل الزراعي العربي، بشكل يوفق بين الإكراهات الآنية وتطلعات الاكتفاء الغذائي الذاتي للوطن العربي.
وخلص ملك البلاد، إلى أن المغرب، الذي يعتز بانتمائه العربي والإسلامي والإفريقي، حريص على مواصلة وضع كفاءاته البشرية، وتبادل الخبرات التي راكمها في مختلف المجالات، رهن إشارة البلدان الشقيقة والصديقة، لتعزيز قدراتنا التنموية، وذلك إيمانا منا بأن تقدمنا ونماءنا لا يمكن تصوره بمعزل عن أشقائنا العرب والأفارقة. فقد انخرطت المملكة المغربية في عدة مشاريع مشتركة تروم تقوية التكامل الاقتصادي العربي والإفريقي، على غرار مشروع أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا، الذي يعد مشروعا استراتيجيا من أجل السلام والتنمية المشتركة، والذي يهدف لتعزيز الأمن الطاقي، على المستوى القاري والدولي. ولا يفوتنا، هنا، أن نشيد بدعم المؤسسات المالية، الإقليمية والدولية، التي واكبت تمويل الدراسات الخاصة بهذا المشروع الواعد، وعبرت عن ترحيبها واستعدادها لدعم إخراج هذا المشروع القاري المهيكل لحيز الوجود”
من جهته أوضح وزير المالية بسلطنة عمان، سلطان سليم سعيد الحبسي، الذي ترأس الجلسة الافتتاحية، أن “منطقتنا تعيش ظرفية صعبة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، لاسيما عقب الخروج من أزمة جائحة كوفيد-19 والتأثير الحالي للأزمة الروسية الأوكرانية”، مشيدا بالجهود التي تبذلها الدول العربية لتجاوز العديد من العقبات سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.
مؤكدا على أن العديد من التحديات مازالت تستوجب مضافرة الجهود، وتوطيد التعاون وتقريب الرؤى، مبرزا أن الهيئات والمؤسسات المالية العربية المشتركة تشكل إحدى دعامات العمل العربي المشترك وأحد رموز التضامن.
وفي هذا السياق، أبرز الوزير أن هذه الاجتماعات تكتسي أهمية كبرى وتتيح إمكانية صياغة قرارات وتوصيات من شأنها تعزيز جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية، مؤكدا أنها تسعى أيضا لتكون وسيطا للتعاون والتواصل مع المؤسسات المالية الدولية من أجل تحقيق الأهداف المنشودة.
وأضاف أن الهيئات والمؤسسات المالية العربية المشتركة أحرزت تقدما في مختلف مجالات العمل وقامت بدور فعال لتمويل العديد من برامج التنمية على المستوى الإقليمي والدولي.
وأشار الوزير من جهة أخرى، إلى ضرورة خلق مناخ ملائم للاستثمار لاستقطاب رؤوس الأموال وتطوير فرص الاستثمار من أجل بلوغ أهداف التنمية المستدامة، مبرزا أهمية سن قوانين وتنظيمات تعزز قنوات الانفتاح على الاقتصاد الدولي، وتوطيد الجهود من أجل إصلاحات مهيكلة ومؤسساتية والتصدي للفساد و ترسيخ مبادئ الحكامة والشفافية.
وقد تميزت أشغال هذه الاجتماعات بتسليم جائزة “عبد اللطيف يوسف الحمد” لفائدة مشروع محطة توليد الكهرباء بجنوب حلوان بمصر.
وتعد هذه الاجتماعات التي تمتد على مدى يومين، فرصة للنقاش حول القضايا الاقتصادية الراهنة في المنطقة العربية، وتبادل الاقتراحات والآراء من أجل عمل مشترك.