كتب فؤاد زويريق: تكلمنا ما يكفي عن سلبيات الجانب الإبداعي في الدراما المغربية، لكن بين تفاصيل هذا الإبداع تختبئ الشياطين، تلك التي تلعب وتمرح وتتحكم في دواليب صناعته دون أن يكشفها الجمهور العادي، فهذا الأخير لا يعرفها وليس من الضروري أن يعرفها، لكن في حالتنا نحن يجب أن نُعرّفها له، حتى لا يحمّل المخرج والممثل دون غيرهما رداءة وتفاهة أعمالنا، هذه الشياطين المُتوارية هي شركات الإنتاج.
وبما أن أغلب القطاع الدرامي لدينا يمول من طرف القناة الأولى والثانية المغربيتين كمؤسستين عموميتين رئيسيتين، فإن هذه الشركات التي نطلق عليها تجاوزا شركات الإنتاج هي في الحقيقة شركات تنفيذية، لأنها تشرف على إنتاج الأعمال بأموال تحصل عليها من هاتين القناتين المنتميتين لأجهزة الدولة، وهذا هو العائق الأول أمام الإبداع الذي يصطدم في أولى خطواته برقابة الدولة، فمادامت الدولة هي الممول الرئيسي للأعمال الدرامية فحتما ستقيد حرية التنوع والخوض في مواضيع درامية معينة قد تقلقها، بل أكثر من هذا ستجعل كل جزئية متعلقة بالكتابة تحت المجهر الرقابي، راسمة بذلك خطوطا حمراء لا ينبغي تجاوزها وإلا فلن يحظى العمل بأي تمويل، لهذا يجد المُشاهد نفسه في أغلب الأحيان أمام مواضيع اجتماعية سطحية مستهلكة ومبتذلة.
شركات تنفيذ الانتاج هذه أو الوسطاء أو السماسرة، سميهم ما شئت، رغم انهم في الدول المحترمة هم جزء رئيسي من العملية الفنية، والمنتج المنفذ تكون له مهارات ومواهب خاصة، بالاضافة الى التكوين وشواهد عليا في هذا المجال، لكن في بلادنا يكفي ان يكون للمنتج المنفذ علاقات تؤهله للتلاعب بأموال الشعب، على كلٍّ هذه الشركات ولأنها شركات سمسرة أكثر منها شركات فنية، فهي تبحث أكثر عن هامش ربح أعلى باختيارها لسيناريوهات معينة تحققه لها، وبها تشارك بها في طلبات العروض، حتى لو كانت سيناريوهات ضعيفة لا إبداع فيها، لذا نجد أغلب الأعمال الدرامية تصور داخل فضاءات مغلقة أكثرها منازل، مما يوفر لها ربحا أكثر، بل في الكثير من الأحيان قد يحصلون على هذه الفضاءات مجانا من تحت الطاولة ، هذا بالإضافة الى استخدام أقل عدد ممكن من التقنيين والممثلين وآلات التصوير والملابس…
وكل هذا من أجل توسيع رقعة الربح مما يؤثر على العمل ويجعله أكثر سوءا وتهلهلا، كما أن ضعف المراقبة والمتابعة من طرف المؤسسات المانحة يجعل التلاعب بالسيناريو الموافق عليه من طرف لجنة القراءة أو الانتقاء تحصيل حاصل، أما الخطير في الأمر هو غياب التنافسية والشفافية مما يعطي الحق لشركات بعينها دون غيرها باقتسام الكعكة التي تكلف ميزانية الدولة الملايير، وهكذا نجد ان خمس أو ست شركات تنفيذ الانتاج هي المسيطرة على السوق، وهي التي تحظى بكل الأعمال المنتَجة بينما العشرات تُرفض طلباتها، والكثير منها أفلست، ومن هذه الشركات المحظوظة من استفادت بثلاثة أو أربعة أعمال درامية في وقت واحد رغم أن إمكانياتها لا تؤهلها لذلك، كما أن الوقت لا يسعفها أيضا، فيحدث بالتالي كل هذا الخلل والإرتجال التي تعرفه صناعة الدراما لدينا، ولأن هذه الشركات تتمتع بهذه الحظوة ، وكذا عدم المراقبة الجادة فإنها تتدخل بالتالي في العملية الإبداعية، من اختيار السيناريو الذي يلائم طموحاتها الربحية كما قلنا سابقا، إلى اختيار مخرجين معينين قريبين من توجهاتها، مرورا باختيار الطواقم الفنية والتقنية، فيصبح المخرج لديهم مجرد موظف تقني لا سلطة محددة له تؤهله للتحكم في العملية الإبداعية، ليصبح الإبداع بالتالي وهو تحت سيطرة السماسرة مشوها كما نرى كل سنة.