رسالة إلى الشاعر… سابقا
عزيزي الشاعر سّابقا،
إنّ قرارك الحصيف بأن تطلق على نفسك صفة السّابق ما كان سوى محاولة يائسة منك لوضع قوس مغلق بين السّابق واللّاحق. لعلّك تقرّ بأنّ الشعر الآن قد بات في حكم المنقرض، وسيأتي زمن ليس ببعيد تعلّق فيه القصائد مثل هياكل الديناصورات في المتاحف، فيأتي إليها النّاس أيّام عطلهم الأسبوعية متحلّقين حولها، فيقول الواحد للآخر: انظر هذه قصيدة الماغوط إنّها ضخمة البنيان كثيرة الفقرات، ستعجبك كثيرا إذا ما تأملتها عن بعد. هذه قصيدة السياب، حاول أن تقترب منها أكثر… ركّز شيئا ما، هنا المطر و الأمّ والطفل الوليد هذه الكلمات ليست عادية، إنّها رموز حاول أن تفكّك أسرارها، ستجد متعة كبيرة في ذلك. أتظنني أخرّف عزيزي الشاعر سابقا، لقد فعلوها و يا لمكر التاريخ بالشعر قديما ألم تعلّق ذات زمن قصائد المعلقات؟ مناسبة هذه الرسالة هو هذا المسمّى باليوم العالمي للشعر، هل مازلت تتذكّر تلك الأمسيات الشعرية حين كان ينادي منادٍ فيخترق الصفوف شخص تبدو عليه علامات الوجل ويصعد إلى المنصّة مفردا كومة أوراق على الطاولة وشاخصا إلى عازف بجواره يدندن على عوده ويحاول جاهدا البحث عن نغمة ما، تناسب ما سيقرأ هذا الشاعر الوجل. هل تذكر كذلك كيف يختتم هذا الحفل المهيب فتسلّم الشهادات التقديرية ويتمّ تبادل عبارات الإشادة، فلا تسمع سوى كلمات من قبيل هذا الشاعر البهي وهذه الشاعرة الماتعة وتحية باذخة لا تشيخ لكلّ الشعراء… لقد كانت أيّاما رائعة، أيّام كانوا ينشرون لك كتابا فتبحث عنه فتكتشف أنّهم لم يتجشموا عناء توزيعه، لقد كان كتابك مجرّد إشاعة وحدك عزيزي من صدّقها. الروعة الأكبر لمّا تريد أن تأخذ زمام المبادرة فتطبع كتابك الثاني على حسابك، وبعد أن تتجاوز ابتزازات النّاشر ستعود إلى بيتك ظافرا بأكوام من النسخ ستبدّدها على نحو ناجح في توقيعات استعراضية فاشلة، وما تبقى لك إهداءات إلى من كانوا أصدقاء وقد صاروا أعداء. عزيزي الشاعر سابقا، الآن عاد إليك رشدك، وصرت تعرف جيّدا لماذا ترك أرثور رامبو الشعر ورحل إلى الحبشة ثم عدن تاجرا للسلاح، وحتّى هذه اليقظة لم تجده نفعا… فقد عاد إلى فرنسا مريضا لتقطع رجله و ليسلم الرّوح فيها. هل تذكر أيضا كم أغوتك كتب شعراء أغلبهم ماتوا في ميعة صباهم منتحرين أو مصابين بأمراض غريبة و مهلكة، إنّ الشعر يقتل يا عزيزي ولا أعرف لماذا لم تنتبه إليه القوانين الجنائية في سائر بلدان العالم. حقّا لقد كان أفلاطون على صواب حينما طرد كل الشعراء من مدينته الفاضلة. الأمثلة كثيرة على وجاهة قرارك الشجاع، فهذا الشاعر الجزائري عادل صياد على طريقة سلفه أبي حيان التوحيدي أعلن عن موته الشعري وأقام مراسم العزاء و الدفن لجثمان رمزي هو عبارة عن دواوين و مخطوطات شعرية داخل قبر فعليّ برفقة أصدقائه الشعراء و كتب عليه”هذا ضريح شعر عادل صياد” وكتب: “أنا فخور بأنّي كائن آيل إلى الانقراض و شاهد عليه”. لنعترف دون خجل أو خوف بأنّ الشعر قد مات. أمّا الشاعر اللبناني وديع سعادة أوّل شاعر عربي يعرض كتبه للبيع في شارع الحمراء فوضع كلّ دواوينه في الإنترنيت وهاجر إلى أستراليا متبرّما من كلّ ما يمتّ إلى الشعر. يوسف خديم الله الشاعر التونسي الذي دأب على نعت نفسه بالسابق يعدّ منذ مدة كتابا يحمل عنوان”لمّا كنت كاتبا تونسيا”… هكذا ترى عزيزي الشاعر سابقا لست وحدك من توصّل إلى هذا القرار الصائب، وليس من المجدي التباكي على الماضي ذلك أنّ دولة الشعر و سلطانها أصابها البوار، وقد صار الشعر لقلّته يحكمه قانون الندرة بينما الشعراء و الشاعرات لكثرتهم يحكمهم قانون الوفرة… لذلك لا تنزعج كثيرا عزيزي الشاعر سابق، ماذا لو جربت حظك أكتب رواية؟
ربّما !!!